في القطار جلسنا في الكوبية فرحين والزوجة تردد: الحمد لله وهي تهدئ من “شيطنة” الأولاد فقد انتظرنا عشرة أيام للحصول على تأشيرات الدخول إلى بلد الاستجمام الذي نقصده، قال تامر: أود من تلك البوظة فردد منار وأنا كذلك، نظرَتْ إلىَّ بتضرع-أن أسرع قبل أن يتحرك القطار مضيفة: وأنا أيضا…
هرعت إلى بائع البوظة وكان على بعد عربتين من عربتنا، ولكن كان أمامه عدة زبائن فالجو حار جدا… حين وصل دوري اخترت أربع بواري من بوظة الشوكولا التي يحبونها، قال لي البائع أسرع فقد يفوتك القطار لقد صفر معلنا بدء الرحلة وهو ينطلق في موعده ولا يتأخر، فأخرجت ورقة مالية كانت تكفي لشراء عشرين بوريا إذ لم يكن معي نقود بقيمة أقل، وبدأ الرجل يضع في يدي قطعا معدنية صغيرة واحدة إثر أخرى ليسدد البقية، لكن القطار بدأ يتحرك فتركت النقود معه وركضت باتجاه القطار…
تسارع انطلاق القطار وكنت قد قطعت مسافة العربة الأولى فقط فأسرعت أكثر عندها اهتزت البوظة في يدي وسقط أحدها فوق قميصي لم أعبأ بل أسرعت أكثر، وكانت الزوجة والأولاد وحتى الركاب يصرخون من النوافذ: أسرع أسرع… شعرت أن القطار سيكون بعد لحظات أسرع مني، فرميت البوظة من يدي، وركضت بأقصى سرعة أستطيعها حتى بت قريبا من الباب، وشعرت بالهلع فبطاقات القطار معي، وبطاقات حجز الفندق معي، وجوازات السفر معي وحتى النقود معي، وليس مع الزوجة ما يكفي لأي شيء…
بت موازيا تقريبا لباب القطار مددت يدي نحوه وقد علا لهاثي وتسارعت نبضات قلبي كثيرا، لامست كفي أنبوب الحديد عند الباب، ثم تمسكت به بقوة، لكن سرعة القطار باتت أكبر من سرعتي فجرني قليلا ثم ارتميت على الأرض وتمزقت ثيابي، وتناثرت البطاقات والوثائق بعيدا، وكنت أرى بالقرب مني عجلات القطار تدور مسرعة بصوتها الهادر، لم أشعر بالألم رغم أن الدماء بدأت تنزف مني، لم أفكر بأي شيء سوى ماذا سيحل بهم وجميع الوثائق والبطاقات والمال معي، أغمضت عيوني بقوة ثم فتحتها مندهشا وأنا أقول: الحمد لله، وبدأت بإيقاظهم فردا فردا قائلا: هيا علينا أن نسرع فالقطار ينطلق في موعده ولا يتأخر! بل يُسرع مبتعدا!!!