لم يحاول أبو صلاح يوما وهو من بيئة متخلفة جاهلة أن يغير واقعه بل كان ينتظر أن يفعل الله عنه ذلك… كان مريضا بتضيق الشرايين وارتفاع الضغط ويحتاج إلى دواء يومي، وكان نتيجة فقره مضطرا لأن يقلص المصروف على الطعام ليوفر ثمن الدواء، وكان يكثر من الدعاء إلى الله كي يشفيه ويأتي بالفرج المادي…
وكان يثق بما تقوله أم صلاح حين تنجم له في الفنجان إلى حد هائل، ويقول “أنها مكشوف عنها الحجاب”، وتستطيع رؤية المستقبل وكل ما تقوله صحيح رغم أنها تتحدث بالألغاز والإشارات، وهو يفسر هذه الرموز حسب أحواله وأحوال البلد والواقع، ويتابع ابتهالاته إلى الله بأن يغير الحال إلى أحسن …
آخر جلسة معها قال لها أنه لم يستطع شراء الدواء اليومي، وأنه توسل إلى الله بأن يساعده دون دواء وهو القادر على كل شيء، وأنه سيشتري الدواء بعد أيام عند استلام سلفة على راتبه. كان جائعا جدا وقد حل المساء، فالتهم بشراهة صحن معكرونة مع المخللات وكأسا من العرقسوس وهو يدرك أن ذلك يضره لكنه اتكل على الله وهو يحلل في ذهنه: إنه يقوم بجميع فروض الصلاة والصيام وحتى الذكاة حسب مقدرته والله يعرف ذلك ولا شك أنه سيساعده صحيا، ثم طلب من أم صلاح أن تنجم له…
رجاها هذه المرة ألا تستخدم الرموز ولا الرقم ثلاثة إطلاقا، وشرب فنجانه بسرعة حتى احترق حلقه قليلا…
أرادت أم صلاح أن تخفف عنه، فتأملت فنجانه وقالت له بعد تنهيدة طويلة وابتسامة متعاطفة: لن ترى أي مكروه بعد اليوم، ولن تتألم منذ الغد، إن شاء الله ولن تحترق أعصابك أبدا ولن تحتاج إلى دواء…
ذهب أبو صلاح إلى فراشه سعيدا… ومات قبل طلوع الفجر…