المسرح والولادة
لم يجرؤْ أحدٌ أن يكتبَ عن قصةِ موتِ الشمسْ
كلُّ الشعراءِ تغنّوا بالأمجادْ
نفخوا الفخرَ الأجوفَ حتى أمسى كالمنطادْ
نبَشوا قبرَ النصرِ الغابرِ بحثاً عن شرفِ الأجدادْ
بل أذكُرُ أنّا
حينَ الحربُ أذلّتنا
شقَّت ظهرَ العِزَّةِ مثلَ الفأسْ
وبَنتْ للأحرارِ الرَّمسْ
ثارَ الصحبُ وقالوا
إنَّ العُرْبَ قديماً فتحتْ أرضَ الفرسْ
وبعدَ رياحِ النكسةِ هبَّتْ ريحُ الرفضْ
زرَعتْ نطفةَ فجرٍ في أحشاءِ الأرضْ
فتهلَّلَ وجهُ الصحْبِ كليلةِ عُرسْ
فرِحوا… جعَلوا من هذي الحبةِ قبّةْ
صرخوا حينَ جنينُ الثورةِ رفعَ الرأسْ
آنَ النصرُ وعادتْ أرضُ القُدس
مرَّتْ أيامُ التكوينْ… بضعَ سنين
وتخلَّقَ وجهُ الثورةْ
قد كانَ الجسمُ كبيرْ
والرأسُ صغيرْ
والرحِمُ ينزُّ سمومْ
والرحِمُ ينزُّ همومْ
حتى احتضرَ جنينُ الثورةْ
وتفتَّتَ مثلَ الملحِ صمودُ الصخرةْ
لم نفهمْ درسَ الأمسْ
لطمَ الصحبُ خدودَ الحسرةْ
وبكوا وشكوا ثم اتجهوا نحوَ الخمْرَةْ
صارَ البأسُ اليأسْ
وحديثُ النصرِ يُدارُ بقرعِ الكأسْ
ولهذا جئتُ لأكتبَ حرفَ الدمْ
عن مأتمِ هذا العرسْ…
كذبٌ ليسَ الدربُ سلاحْ
كذبٌ ليستْ هذي الخطبُ كفاحْ
لن تبنى دارٌ فوقَ أساسٍ من أملاحْ
فلنُشعلْ ضوءَ الفِكرْ
وسراجاً يُدعى الطبقيَّةْ
ليضيءَ بزيتِ الجدليةْ
يا عبدَ اللهِ بنَ مُحمَّدْ
أخبرني أينَ الزنجْ
لا لن تقفَ العينُ أمامَ المخرزْ
لا تجعلْ فوقَ الحِملانِ السرجْ
لن يُشربَ ماءُ البحرِ العاتي بالإسفِنجْ
آه يا أرضي العربيةْ
يا رقعةَ نردٍ أو شطرنجْ
آه يا ثوارَ العفويةْ
فلنفهمْ هذا المسرحْ
ولنكشفْ كلَّ الأدوارْ
إن الحقَّ سيجرحْ
لكنّا إن لم نُجرحْ هذا اليومْ
فغداً نُذبحْ
فلنهدمْ كلَّ الأسوارِ الشاهقةِ حماقةْ
ولنفضحْ تجارَ الدمْ
لن تُجدي كومُ الأعذارْ
ولجانٌ من كلِّ الأقطارْ
إن كنتَ شجاعاً لا تخشى الأخطارْ
فتشْ كلَّ جيوبِ الساسَةْ
وستكشف كلَّ الأسرارْ
حينَ سيلمعُ شيءٌ أصفرْ 1
يُدعى الدولار *
…
المخرج أقسمَ أنْ يُنهي آخرَ فصلٍ في المسرحْ
وعبارةُ حقْ
لا تتركْها في جوفِ القلبِ لتجرحْ
دعْها تخرجْ
دعْها تفضحْ
فصقيعُ الموتِ يخيم في (الأوطان)
والديكورُ اليومَ خرائبْ
تلقاها في كلِّ مكانْ
لا يُعرف سقفٌ من جدرانْ
والمخرجُ أنهى دورَ المِحورْ
يونسُ ماتْ
أقسى اللحظاتِ نواجِهُهُا
يا يونسُ كيفَ تموتْ
لم يبلعْكَ الحوتُ ولكنْ
قذفوكَ لبطنِ الحوتْ
يونسُ ماتْ
والخفاشُ يُحلِّقُ والسعلاةْ
والبومُ تفرِّخُ والغربانْ
والنصلُ بصدرِ الأمْ
والشمعُ الأحمرُ فوقَ الفمْ
والمذبوحُ بصدرِ المسرحِ غاصَ ببركةِ دمْ
والجمهورُ الأبكمُ أحمقْ
يتفرَّجُ مسطولاً مُرهَقْ
يتفجَّرُ لحمي يتمزَّقْ
والحقدُ بجلدي يتعرَّقْ
والآهُ برئتي تتحرَّقْ
وطني يغرَقْ
وطني يغرَقْ
والدورُ الآخرُ في المسرحْ
قد مثَّلهُ بالسكينِ وبالساطورْ
الليلةَ أجلافُ العربانْ
والمخرجُ أشعلَ حِقداً في خشبِ المسرحْ
وستارٌ يُسدلُ فوقَ الأعينِ مثلَ السورْ
والمذبوحُ يُنادي
يستنجدُ بالجمهورْ
والجمهورُ الأحمقُ عالةْ
يتفرَّجُ في صمتٍ والمخرجُ يحرِقُ أبطالَهْ
لا يدركُ أنَّ لهيبَ النارْ
سيأكلُ خشبَ المسرحْ
وسيأكلُ جمهورَ الصالةْ
…
اليومْ… معركةٌ في هذا العالمِ لا أكثرْ
ومداهْا أبعدُ من معنى الأوطانْ
إذ تعني تحريرَ الإنسانْ
حرقَ السجنِ مع السجّانْ
حربٌ بينَ الجوعِ وبينَ التخمةْ
حربٌ بينَ البزخِ وبينَ اللقمةْ
لنْ يمحوَ هذي النقمةْ
دفءُ الحبِّ ودمعُ الرحمةْ
فليخبُ بهذا الضوءِ الكاذبِ زيفُ المشعلْ
كيْ يلمعُ حدُّ المِنجلْ
كي تثقبَ كل صخورِ الرقِّ صلابةُ مِعوَلْ
فليكشِفْ ضوءُ الفكرِ جميعَ السرَقَةْ
ولنرفضْ عارَ الذلِّ وعارَ الشفَقَةْ
يا كلَّ المحرومينَ اتحِدوا
يا كلَّ المُضطهدينَ اتقِدوا
فلقد كُشفتْ آخرُ ورقةْ
يا عمالَ العالم كونوا مثلَ الحلَقةْ
فوقَ الأرضِ اليومْ
صراعُ الطبَقَةْ ضدَّ الطبَقَةْ…
…
1 – المقصود عمليات شراء السياسيين ” والدولار الذهبي – الأصفر- كان سائدا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر- واستخدامه في القصيدة له طابع رمزي لدمج الذهب مع الدولار”
…