الإيمان بالرفض
بريدي كانَ يا أمي
بريدي كانَ نافذتي
وقلبي صارَ موقِدتي
وأشعاري معاوِلُها تُحطِّمُ وجهَ آلِهَتي
عشقتُ الشمسَ
وجهُ الشمسِ ما أزهرْ
ولم يكبرْ
عشقتُ النورَ طافَ النورُ
حلماً طافَ لا أكثرْ
ونامَ الليلُ مَنْ في الليلِ
زادَ الويلُ فاضَ الكيلُ
صارَ الحلمُ كالخِنجَرْ
يُعربِدُ في دمي يَسكَرْ
ووحدي كنتُ من يَسهرْ
على الميزانِ أشلائي
وحُلمي هامشُ التاريخِ في الدفتَرْ
…
بلادي ألفُ إهرامٍ مِن الخيَمِ
تحنَّطَ شعبيَ المكلومُ بالأوباءِ
والأفيونِ والأمثالِ والحِكّمِ
فكم تنمو سواعِدُنا
وليسَ الفخرُ بالوّرَمِ
كفرتُ اليومَ بالألمِ
كفرتُ اليومَ بالقِيّمِ
فما كنزٌ قناعَتُنا
ولا نصرٌ مِنَ الحُلُمِ
نعيشُ العمرَ آلاما
وظلُّ خيامِنا خَطَرُ
وأوتادٌ مِنَ الجوعِ
وأمراسٌ مِنَ الروعِ
وليسَ بأفقِنا قَمَرُ
نيوبُ الغدرِ تنهشُنا
وما زلنا بفطرتِنا نقولُ بأنَّهُ القَدرُ
…
لماذا نحنُ يا أمي
نعيشُ بتربةٍ ظمأى إلى النورِ
لماذا الحلمُ في قلبي كشحاذٍ
قميءِ الوجهِ مجدورِ
لماذا الخبزُ حلوانا
ولا نلقاهُ أحيانا
لماذا دائماً بالدمِّ
نختُمها حكايانا
لماذا البعضُ في باريسَ مصيفُهُ
وبالأوحالِ مصيفُنا ومشتانا
يموتُ النحلُ مِن تعبٍ
ويجني الشهدُ من خانا
ونرضى ذلَّ قسمَتِنا
وتدعو ذاكَ إيمانا
أنا لا أومنُ الآنا
…
جراحُ القلبِ أوسِمتي
وذكرى بعدُ لم تَمُتِ
ولكنْ ماتَ إيماني بأنَّ مصابَنا قدرٌ
وماتتْ قبلُ ذاكِرتي
وضاعتْ صبغةُ الأشياءِ
ضاعتْ كلُّ ملحمتي
تغيَّرَ دربُ قافِلتي
تغيَّر اسمُ قافِلتي
ومزَّق صاحبُ (الإذعان) أشرعَتي
وأصبحَ في سبيلِ الأرضِ موتي
مثل قرصنةِ
…
رياح السؤمِ تحمِلني
إلى الصحراءِ تحملني
ففي (الكثبان) يا أمي
ينابيعٌ مِن العفَنِ
وشمسٌ أحرقت وجهي
أتيتكُ عارياً شفَتي على جُرحي
لقد حفَروا بأعصابي
طريدٌ أنتَ في الزمنِ
ركضتُ لأحتمي بالعارِ
للأعداءِ وجهتُنا
عبرتُ مدامعَ التيارِ
غفوتُ بحضنِ قريتِنا
ومازجَ رملُها بدَني
تُعانِقُني… تُقبِلُني
تهدئُ روعيَ المعجونَ بالوَهَنِ
وحينَ أفقتُ من رُعبي
علمتُ بأنَّني يوماً
حزمتُ جميعَ ألبِستي ولكنّي
نسيتُ بموطِني كفني
لثمتُ الرملَ والتُربَةْ
بكلِّ مرارةِ الغُربَةْ
حضنتُ حضنتُ ما فيها
شعرتُ لطيبِ لُقيانا
بها نبضٌ…
بها لحمٌ…
بها شريانُ يَسقيها
شعرتُ لطيبِ لُقيانا
بأنّي ما حضنتُ الرملَ والأحجارَ لكنّي
بها عانقتُ إنسانا
…
وعدتُ أصكُّ أسناني من الحِقدِ
وكُفري صارَ إيماني
بدربٍ كلُّهُ شوكٌ بلا وردِ
تلوَّنَ طابعُ المِحَنِ
فصارَ الليلُ مثلَ النورِ
صارَ التلُّ مثلَ الغورِ
ماتَ الصدقُ شاخَ الحقُّ
صارَ السرُّ كالعَلَنِ
كفرتُ اليومَ بالزمَنِ
كفرتُ بكلِّ من حمَلوا
شعاراتٍ تُحرِرُني
بِمَنْ في الوجهِ قَبَّلَني ووسْطَ الظهرِ يَطعَنُني
دمانا قد غدَتْ بحراً
وعظمُ الصدرِ مِجدافاً
فَشدّي القلعَ يا سُفُني
دعِ التسليمَ بالأقدارِ للجهّالِ
وسْطَ الزارِ والعفنِ
فنَصري ليسَ في قدَرٍ
مِن (الأوهامِ) تمْنَحُني
أريدُ اليومَ أنْ أحيا
ولا أبغي غداً أنهارَها عسلاً
ولا الأنهارَ من لبنِ
فلا (الواحاتُ واحاتٌ)
ولا النيرانُ تُرهِبُني
وحينَ أموتُ يا أمّي
دعي الحفارَ يدفنُني
بلا كفنِ
وخطّوا فوقَ شاهِدتي
بأنّي ما عبدتُ (الآهَ) لكنّي
عبدتُك أنتَ يا وطني
…