الشبح الأسود

يا صديقي، يا صديقي

إنني جداً مريضُ

لست أدري كيفَ أو من أينَ آلامٌ

                      تبدَّتْ في طريقي

مرةً تعوي الرياحْ

في القفارِ الموحِشَةْ

مرةً كالدغلِ في أيلولْ

وسطَ رأسي ينهمرْ

موغلاً وقعُ الكحولْ

يخفقُ الرأسُ بآذاني يُصفِّقْ

كجَناحي طائرٍ همَّ يُحلِّقْ

فوقَ عنقي بات ساقانِ لرأسي

لم يعد يسطيعُ صبرا

كائنٌ أسودْ

أسودٌ أسودْ

كائنٌ أسودْ

في سريري جالسٌ يرتاحُ قُربي

كائنٌ أسودْ

طيلةَ الليلِ أمامي

لا يدَعْني لمنامي

كائنٌ أسودْ

بالأصابعْ

أسطراً راح يُتابِع

بكتابٍ تافهٍ يقرأُ فوقي

ويُخنخنْ

مثلَّما يُقرأُ قُدّاسٌ على جثمانِ كاهنْ

سيرةً لي باتَ يقرأْ

سفرَ سكيرٍ حقيرْ

 دافعاً رعباً لروحي وكآبةْ

كائنٌ أسودْ

كائنٌ أسودْ

راحَ يحكي ويُبَربِرْ:

في الكتابْ

 أروعَ الأفكار تلقى والمشاريعَ الجميلةْ

-عاشَ هذا الكائنُ

في بلادِ القُبحِ والأوباشْ

في بلادِ الشعوَذةْ

ثلجُ كانونَ بذاكَ البلدِ

يُبهرُ الأبصارَ ناصعْ

والزوابعْ

حين تلهو تبرمُ الدولابَ، دولابَ المَغازِلْ

كان هذا الكائنُ الإنسانُ جواباً مُغامِرْ

أخبثَ الأصنافِ ماكِر

وأنيقاً كان شاعرْ

وقِواهْ

لم تكن كُبرى ولكنْ حاذِقةْ

كان قد سمّى امرأةْ

ناهزتْ في العمرِ سنَّ الأربعينْ

بالفتاةِ المارِقَةْ

ويناديها دلالاً فِتنتي

ويقولُ الكائنُ الأسوَدْ

السعادةْ

في البراعةِ والنهى والكفِّ… عادةْ

كلُّ من عاشَ بعيداً عن أفانينِ البراعةْ

حسبتْهُ الناسُ في الدنيا تعيسا

أيُّ ضيرٍ بعد هذا

إن إشاراتُ هشيمٍ زائفةْ

أثقلَتنا بالعذاباتِ الكثيرةْ

أروعُ الفنِّ بهذا الكونِ إنْ حلَّت رعودْ

أو بوسْطِ العاصِفةْ

في ظلالٍ للأسى اليوميّ

والخساراتِ المُريعةْ

عندما يحتلُّكَ الحزنُ السآمةْ

أروعُ الفنِّ بهذا الكونِ أن تغدو بسيطا

وعلى الثغرِ ابتسامةْ

أيهذا الكائنُ الأسودْ

كيف تجرؤْ

أنت تحت الماء لا تحيا وتعملْ (1)

ما الذي تعنيهِ لي سيرةُ شاعرْ

وهو شريرٌ مُشاكِسْ

قصَّ ما تبغي لغيري عنه أرجوكَ وحّدِّثْ

نحوَ وجهي بات ينظرْ

ذلك الأسودُ حدَّقْ

وطفا قيءٌ على عينيهِ أزرقْ

ودَّ لو صاحَ بوجهي

أنني لصٌ وسارقْ

أنني دونَ حياءْ

أتقنُ المكرَ وسارقْ

 عابراً ما

 

يا صديقي يا صديقي

إنني جداً مريضُ

لستُ ادري كيفَ أو مِن أين آلامٌ

تبدَّتْ في طريقي

مرةً تعوي الرياحْ

 في القفارِ الموحِشَةْ

مرةً كالدغلِ في أيلولْ

وسْط َرأسي ينهمرْ

موغلاً وقعَ الكحولْ

كالصقيعِ الليلُ داكِنْ

والطريقُ امتدَّ عندَ المُفتَرَقْ

هادئٌ كالصمتِ ساكنْ

وأنا وحدي هناك

في إطارِ النافذةْ

لا ضيوفاً لا صديقاً أنتظرْ

والسهولْ

بالرَّذاذِ الأبيضِ الكلسيِّ منثوراً تغطَّتْ

والشجرْ

مثلَ فرسانٍ إلى بستانِنا تعدو الشجرْ

وبكاءُ الطائر الليليِّ مشؤوماً يصيحْ

في مكانٍ ما وفرسانٌ من الأخشابِ تدنو

تبذرُ الإيقاعَ إيقاعَ السنابِكْ

ثم يدنو من جديدْ

ذلك الشبحُ العنيدْ

يرتمي في مِقعدي

ويزيحُ القُبَّعةْ

وهي ما بينَ يديهْ

ثم يرمي معطَفَهْ

خلفَهُ عن كاهِليهْ

-استمعْ لي…استمعْ لي

يقذفُ الأنظارَ في وجهي ويشخُرْ

ينحني نحوي يقول:

في حياتي ما رأيتْ

بين رهطِ الماكرينْ

من يُعاني بِحماقَةْ

قابعاً من غير جدوى

في عدادِ الساهرينْ

ولنقل أخطأتَ لكنْ

ها هوَ الآنَ القمرْ

في سنا الأفقِ ابتدَرْ

ما الذي يبغيهِ بعدُ

ناعسٌ بالسُكرِ غرُّ

ربما بالسرِّ أن تأتي إليكْ (2)

ذاتُ فخذين سمينين فتبدأْ

أنت تقرأْ

شِعرَكَ الميتَ القميءْ

غزلاً مما لديكْ

…آخِ كم إني أُحِبُّ الشعراءْ

إنهم دوماً جماعاتٌ ظريفةْ

عبرَهم ألقى لقلبي

قصةً –يدري-طريفةْ

كيفَ معتوهٌ له شعرٌ طويلْ

كان يحكي لبناتِ المدرسةْ

للواتي لم تزل في وجهِهنّ

بعدُ حباتُ الشبابْ

الأقاصيصَ الخبيثةْ

عن دُنىً أخرى هناكْ

ولهاثُ الجِنسِ قد غطّى حديثَهْ

لستُ أدري لستُ أذكرْ

قريةً ما ربما في (كالوغا)

ربما في (ريازان) (3)

عاش طفلٌ وسط عائلةٍ بسيطةْ

أسرةٍ فلّاحةْ

أصفرُ الشَّعرِ تخلَّقْ

في العيونِ اللونُ أزرقْ

كبُر الآنَ وأمسى شاعرا

وقِواهْ

لم تكن كُبرى ولكنْ حاذِقَةْ

كان قد سمّى امرأةْ

ناهزَت في العمرِ سنَّ الأربعينْ

بالفتاةِ المارِقةْ

ويناديها دلالاً فِتنتي

… أيُهذا الكائنُ الأسودْ

أنتَ ضيفُ الشؤمِ دوماً

عنكَ هذا باتَ يكفي الناس علماً

منذُ ازمانٍ بعيدةْ

… وتطيرُ الآنَ مِن كفي عصايَ

وَدفعةً تهوي إليهْ

ضارباً وسْطَ جبِينهْ

صائباً بينَ عيونِهْ

الذي ماتَ الهلالْ

والشروقُ ازدادَ زُرقةْ

عبرَ نافِذتي …فَمَن؟

آخِ يا ليلَ الوسنْ

أنتَ هشَّمتَ إذنْ؟

…واقفٌ وحدي على رأسي استطالتْ قُبعةْ

ليسَ من أحدٍ معي

إنني وحدي هُنا

وحطامُ النافِذةْ…

 

  • في القصص الشعبية الروسية القديمة تعمل الأرواح الشريرة وتحضر طلاسمها تحت الماء
  • في الأصل أن تأتي (هي) إليك بالسر…وقد كتبت هي بين قوسين
  • كالوغا بلدة قرب موسكو وريزان أو ريازان مسقط رأس الشاعر