الدكتورة القاصة نها الحافظ
أيمن أبو الشعر شاعر متأمل حزين لأن العالم لا يتألق كما يحلو للزمان والروعة أن يتألق، مبدع وعاشق متفجر كبركان بين ما هو كائن وبين ما يجب أن يكون ولهذا فهو ما برح حتى الحين يعزف لغة الأنين على الوتر الدفين وهو في الحالين يأبى أن يستكين.
في مجموعته الشعرية الجديدة الحزن الألق وصلاة العاشق، يصلي عاشقا متيما، يتألق حزنا وألما، وكأنه يريد أن يقول لنا: الحزن سيد المشاعر ومحرقها المطلق، هكذا هي مأساة من يعايش الحياة طامحا أن تكون جنة على الأرض لا مجرد حلم في السماء، أن يكون الحب قانونا وأن يكون الصفاء ميثاقا وأن يكون النقاء أخلاقا. يقول:
أنا يا رب مخلوق من التحنان والوجدان والنغم
لماذا رمت لي حبا يمزقني ويفنيني
ويحييني ويبقيني على الشفرات محمولا
فقير الهند بين الخلق والعدم
هذا التضاد الحاسم ظل سمة متلازمة لنتاجات أيمن أبي الشعر ليس لأنه يرغب أو لا يرغب بذلك بل لأن الحياة تخلق هذا التضاد يوميا بين ما هو كائن وما يجب ان يكون، هناك حيث يتحقق الجمال بمعناه المطلق، ولهذا نجد أن الحب يعذبه لا كنسمة عابرة بل من الجفنين حتى أخمص القدم، ولم يكن صدفة أن يرتاح لحزنه المكتوم وأن يقتات أشواك الحنين الموجعة وأن يرتوي من غصة البعد الفسيح، ليس في الأمر أي تشاؤم كما يبدو للوهلة الأولى، ومن يتابع مسيرة هذا الشاعر يدرك أنه الأكثر اقتحاما، فلماذا يغني الحزن بكل هذه الصوفية الحارقة، لأنه في الواقع يغني المثال المفقود ويسعى إليه في الواقع الذي يفتقد هذا المثال بالطبع. في هذا الديوان تجليات واضحة عن نقيض ما يتبدى في السطح، فهو رغم كل الصقيع والمعيقات يمجد الحب الخالد بغض النظر حتى عن العاشقين الذين قد لا يكونون أهلا لهذه الصلاة الروحية، فالحب عند أيمن أبو الشعر لا يموت حتى جثة محروقة بل يموت العاشق المرذول حيا مذ يبيع، ولهذا إذا كان لا بد للعاشق من الموت فعليه أن يموت في قمة الإحساس بالطهر المعنى، كاحتراق فراشة بحثا عن النور، والملفت للنظر دائما هذا المزيج العجيب بين الحب الإنساني الواقعي الحياتي، والعشق الرمزي بحيث يمكن أن نقول أن أيمن أبا الشعر غني دائما بقادم لم يتحقق ولكنه لم ييأس في انتظاره لأن هذا الشاعر لا تغريه الأضواء حتى غدا بعيدا عنها بقلب يأسره نبض الأحاسيس الشفافة النبيلة الراعفة وتسكنه زخة تفجر المشاعر الإنسانية المرهفة. هذا هو أيمن ألو الشعر أبو الإبداع والتجديد أبو اللفظة الحلوة والكلمة النافذة الواقعة والغاية الخالدة الرائعة. أيمن أبو الشعر نصير المرأة إلى درجة يصعب معها أن تجدر شاعرا آخر أعطى المرأة هذا الاحترام والتقدير والحب وجسدها كأروع ما في الوجود أما وأختا وحبيبة وصديقة ثائرة -فاترة، ضاحكة -عابسة، قاسية –لينة، من هنا جعل العشق ساحة متألقة يسقط الزمان خلفها ولأن عشقه يوقف الزمان فإن حبيبته لا تكبر أبدا:
أنا لا أراك كبرت بعد لأننا
بالعشق أوقفنا الزمان
هناك يوم لقائنا
وهو في ديوانه الجديد يجعل المرأة محورا جماليا لا يمكن أن نتخيل العالم دون سناه، بل إن المرأة التي تمنح الدفء والحنان والتألق تجعل الشاعر يستقبل كل مظاهر الطبيعة عبر ألوان عينيها بشلال صور متدفقة حتى ليخيل إلي أن الديوان الجديد هو ديوان المرأة بحزنها وألقها وتجلياتها المختلفة في الحياة:
إن هاج وجد كالرحيقِ
وكاد ينطق من شفاهك
فارشفيه ولا تقولي
خليه يندى من مسامك رعشة
أو من عيونك دمعة
تروي الحنايا كلها
إن الغمام الحر لا يدري
سوى لغة الهطول
لكن أيمن أبا الشعر رغم الجراح المتألقة ورغم الحزن الذي غطى معظم الآفاق، فإنه يظل ذلك الشاعر الذي عرفته الجماهير العربية معبرا عن أحاسيسها مصهورا في واقعها مستشرفا مستقبلها سرعان ما يتفجر بر كانا في تلاحم حميمي مع ما تعيشه الأرض المحتلة مكويا بنارها الأمر الذي ظهر بوضوح في هذا الديوان في قصيدته هكذا عيسى تكلم.
عند توقيع البيان
سربلوا في الهامش المخبوء
عصفورا بدبوس الأمان
حرموا ما حلل الله دفاعا عن رشيم
حللوا ما قد تحرم
وفلسطين الرهان
إنها العذراء وجه يتجلى في الزمان
حالة ليس تترجم
وعيون مجدلية
كل أصحاب الخطية
قد تباروا كيف ترجم
أيها الأصدقاء مع الكلمة المدعة والرؤى المحلقة مع فسحة للروح والمعاني المطلقة مع الشاعر أيمن أبو الشعر.