اقتحام رفح قد يكون سكينا دون مقبض في يد إسرائيل

اقتحام رفح قد يكون سكينا دون مقبض في يد إسرائيل

• هدف إسرائيل ليس الاتفاق مع حماس بل القضاء عليها، و”نتن ياهو” يخشى إن لم يقم باقتحام رفح من تفكك حكومته الائتلافية

حقيقة الموقف الأمريكي وحتى الاتحاد الأوروبي تجاه ما يجري في غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي لا يحتاج إلى كثير عناء لكشف جوهره، ومهما كان التشبيه مزعجا لكنه الأدق، فهو أقرب من حيث قماءته وانكشافه بمؤخرة العنزة.
فما يقال عن تغيّر في الموقف الغربي عموما، وموقف واشنطن على وجه الخصوص من خلال التصريحات التي هدفها لحقيقي الإعلام لا التأثير على الواقع، هو تغير في موقفهم من أسلوب قتل الضحية، وليس رفضهم للقتل، أي ألا تكون عملية ذبح المقاومة الفلسطينية بكل هذا السطوع والضجيج، والذي أسفر عن ردود فعل في الحراك الطلابي، أي في جيل الشباب صانع المستقبل، وهذا يعني الكثير بالنسبة للمجتمع الغربي.
من هنا يمكن فهم تصريح منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض جون كيربي: أنَّ ” الزملاء الإسرائيليين” أبلغوا الولايات المتحدة بأن العملية العسكرية في مدينة رفح شرقي جنوب قطاع غزة محدودة، وأنها تهدف إلى تعطيل قدرة حماس على نقل الأسلحة والأموال إلى قطاع غزة، أي لاستكمال الحصار الخانق. ماذا يعني التصريح الأمريكي؟ يعني أن “الزملاء الأمريكيين لإسرائيل” يتفهمون موقف إسرائيل، ويعتبرون إبلاغ واشنطن كافيا لتمرير هذا العدوان، خاصة أنه واقعيا يتزامن مع تحرك القوات الإسرائيلية التي سيطرت على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وقطع الطريق بين المعبر وطريق صلاح الدين، كما أنها قصفت أكثر من 100 هدف داخل رفح خلال ليلة أمس الأول وحدها، وكيف كان الأمر بالنسبة لقطاع غزة بكامله منذ أكثر من ستة أشهر حتى الآن؟ ألم يكن لتفكيك حماس، ألم يدفع الشعب الفلسطيني في غزة أكثر من مئة ألف بين شهيد وجريح؟ ألم يكن قطاع غزة مكتظا بالسكان؟ ألم تتخذ الولايات المتحدة حق النقض الفيتو ضد أي قرار من شأنه أن يوقف ذبح الشعب الفلسطيني، إلى أن حققت إسرائيل سيطرة ميدانية جدية فامتنعت واشنطن عن التصويت “، ياللهول!”، وبدأت تتاجر بمواقف تبدو للوهلة الأولى إنسانية، ثم يتوضح أنها لغاية في نفس يعقوب كبناء الرصيف في غزة بحجة تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، في حين كان بإمكانها الضغط على إسرائيل لتوصيل المساعدات عبر المعابر البرية.
يلفت النظر في هذا السياق أن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش عارض فكرة إرسال وفد إلى القاهرة لمعرفة آخر ما يمكن أن يتم بشأن الاتفاق على تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، واعتبرها فكرة خاطئة، وطالب باحتلال رفح، وعدم الاكتفاء بالسيطرة على معبر رفح بل واحتلال محور فلادلفيا، معلنا بوضوح أن الهدف الإسرائيلي ليس التوصل إلى اتفاق مع حماس، بل القضاء عليها، وأعلن أنه لا يجب الإذعان للضغوط الدولية بل متابعة الحرب حتى النهاية، ولهذا يجب -حسب وصفه- قطع أنابيب الأوكسجين عن حماس.
في غضون ذلك تتصاعد ردود الفعل على بدء إسرائيل عملية اقتحام رفح واتساع قصفها للمدينة، وتوجيه الجيش الإسرائيلي أوامره للسكان لمغادرة القسم الشرقي من رفح، حتى أن ميخائيل بوغدانوف المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط نائب وزير الخارجية أعلن بوضوح أن أية عملية إسرائيلية في رفح قد تتحول إلى كارثة إنسانية، حيث أكثر من مليون ونصلف المليون نسمة في جنوب القطاع، أي فر رفح وما حولها.
وإن بدت روسيا جادة في تحذيراتها وتعاطفها الذي أثبتت صدقه في مجلس الأمن مرات عديدة، فإن التصريحات الغربية بما في ذلك من الأمم المتحدة تبدو كصيغ مكررة إنشائية تعبر عن المواقف اللفظية التي اعتادت عليها الأمم المتحدة، والتي لم تستطع حتى الآن فرض وتنفيذ أية عقوبة على إسرائيل.
ومن الزاوية الإنسانية تبدو قرارات التهجير من منطقة إلى أخرى ومتابعة الحصار، وكأنها خطة مدروسة لاستكمال إبادة الشعب الفلسطيني بشتى الوسائل، إما بالقصف والغارات والدفن تحت الأنقاض، وإما جوعا ومرضا نتيجة فقدان الغذاء والأدوية، وقد أعرب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة عن قلقه البالغ تجاه إغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم، الأمر الذي يعني عدم وصول المساعدات الإنسانية، موضحا أن كامل المخزونات الحالية من الغذاء يمكن أن تكفي يوما واحدا أو أربعة أيام كحد أقصى لرفح ودير البلح وخان يونس. ولكن الأمين العام للأمم المتحدة والحق يقال أعلن أنه منزعج ومستاء، وطالب إسرائيل بفتح المعبرين، وحذر من أن الهجوم الواسع على رفح ” لنلاحظ الواسع” سيشكل كارثة إنسانية.
ولا بد من ملاحظة أن الأمر لا يتعلق فقط بوصول المساعدات الإنسانية، ذاك أن إغلاق معبر رفح يعني عدم تمكن إرسال الجرحى والمرضى للعلاج بمصر أو الخارج بعد أن دمرت القوات الإسرائيلية معظم المشافي في القطاع.
ولكن، أليس اقتحام رفح مغامرة بالغة الخطورة، ليس فقط على الفلسطينيين بل على الرهائن الإسرائيليين، وبالتالي سيفقد نتنياهو ورقته الرابحة إن أسفر هذا الاقتحام عن مقتل الرهائن، وبدل أن يكسب نقاطا سياسية بالنسبة لاستمرار حكومته سيكون عرضة لمظاهرات عارمة في إسرائيل لإسقاطها.
ولابد من ملاحظة أمر بالغ الأهمية ينطلق من نفسية الصهاينة، فالشارع الإسرائيلي عمليا ليس ضد أن تقوم القوات الإسرائيلية باقتحام رفح، والخلاف فقط هو على النتائجإلى أي مدى يمكن ضمان حياة وسلامة الرهائن وكما أشرنا قبل قليل فإن واشنطن أيضا لا تمانع قيام إسرائيل بهذا الاقتحام لكنها تخشى من ردود فعل العالم على حدوث مجزرة حقيقية بحق المدنيين ليس إلا وأكرر أن الولايات المتحدة لا يهمها حدوث مجزرة في رفح بل يهمها ألا تحدث ضجة كبرى بهذا الصدد، من هنا يمكن فهم حرص واشنطن على إنجاح المفاوضات بشأن تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.
وبالنسبة لتناحر القوى السياسية داخل إسرائيل، فإن التخلي عن مخطط اقتحام رفح سيعني بالضرورة انهيار الإتلاف الذي يضمن بقاء حكومة “نتن ياهو” حتى أن وزير المالية سموتريتش ووزير الأمن القومي بن غفير هددا بوضوح بتفكيك الإتلاف إن تخلى نتن ياهو عن اقتحام رفح وتم عقد اتفاق مع حماس ينهي الحرب.
نشير أخيرا إلى أن كتائب القسم أعلنت أنها تقف بالمرصاد داخل رفح للقوات الإسرائيلية ووجهت تهديدا واضحا بعبارة واحدة مختصرة: ” اخترتم اقتحام رفح…لن تمروا!” وتفيد مصادر عدة بأن كتائب القسام تخوض اليوم معارك شرسة مع القوات الإسرائيلية المتوغلة في رفح، ما يعني أنها نوت أن تجعل السكين التي يطعن فيها نتن ياهو غزة بدون مقبض لتنزف كلما طعنت!

 

اقتحام رفح قد يكون سكينا دون مقبض في يد إسرائيل