بقلم: أيمن أبو الشعر
أيـُّـها الْـحُزْنُ الـجَّـميلْ
يـا صَديـقـي
يا مَليْـكَ النَّـبضِ في الإحساس
وَالصِّدْقِ الـجَّليلْ
يا شَـقيـقَ الْـقَـلْبِ
يا أَصْـداءَ روحـيْ
قُـمْ بِـنا نَـمْضي عَلى مَـهلٍ
إلى أفْـقِ الْـحَكايـا
وَاللِّـقاءِ الْـمُسْتَحيلْ
بُرهَـةً في مَـعْـبَدِ الْـعِشـقِ
الْـغَـريـقِ
هـاتِ زادَ الـذِّكْـرَيـاتْ
صُـرَّةَ الآلام رَجْعَ الأغْنِـياتْ
لُـفَّ لـي تَـبْغَ الْـعَـذابْ
اشعل الْـمَـوَّالَ
جَـمْراتِ اغْـتِـرابْ
وَافْـرُشِ الآهـاتِ سُـجّـاداً
عَلى عُـنْـقِ الطَّـريقِ
نَـحْـوَ عَـرْشِ الْـوَجْـدِ
في كُـوخِ الصَّفيـحِ
آنَ أنْ نَـمْضي بِأوْجاعٍ تداوي
بِالرُؤى روح الْقَريـحِ
صُبَّ لي مِنْ بُـحَّـةِ النّـايِ عَـزاءا
ابْـدأِ التَّـنْهيـدَ شَـجْـواً وَنِـداءا
أَطْـلِقِ الصَّمْتَ رُعُـوداً نـاثِـراً
مِنْ خَـلْـفِهـا الْـوَجْدَ سَـماءا
وَتَـأَبَّـطْ جُـعْـبَـةَ الْـحُلْمِ
الـجَّريـحِ
خَـلِّ مَنْ في الْـقاعِ يَـلْـهوْ
ضاحِـكاً وسْـطَ الـمَرايـا
مِثْلَـما الْيَـعْسوبُ في الشَّهْدِ الْتِصاقْ
حينَ تُـبْديْ وَجْهَـها الْـمَجْذومَ
غيلانُ الـرِّوايَـهْ
سَـوْفَ يَـغْدو مِـثْلُـها
مَـحْـضَ شَـظايـا
عَـبْـرَ إعصار الـنِـفاقْ
… قُمْ بِـنـا يا حُـزْنُ هَـيّـا
قَـدْ يُـواسـيْـنا الْـمَسيرْ
فالمدى يبدو هنيا
لا تسلني ما المصير
وادِعـاً تُـصْـغـي إلَـيّـا
مِـثْـلَـما هَـدْءُ الأثـيـرْ
حينَ أحْكـي صامِـتـاً
مَـخْـبوءَ نَـوحـيْ
فِيْـكَ رُمْـتُ الْـفَـرْقَ بَـيْـنَ
الطَّـيْـرِ جُـثْـمانـاً
وَجُـثْـمانٍ يَـطيرْ
حـانِـياً تَـدري بأنَّ الْـوَمْـضَ
في الأحْـداقِ بَـوحـيْ
كَـرْنَـفالُ النَّـارِ في قَـلْبي تَـجَلّى
وَجْـهَ طِـفْـلٍ صامِتٍ مثل الرحيل …
دونَ ذَنْـبٍ عذبوه
وهو حبا مـا تَـوَلّـى
مُـذْعِـناً شَـدّوهُ بِالـتَّـنْهيـدِ
في سـاقِ السريرِ
وَجْـهَ طِـفْـلٍ سـاهِـم نَـدّى النَّـدى
وَهْـوَ يَـذوي مِثْـلَ
شَـمْـع في الْـهَجيرِ
عَـفَّ حَتى شَـفَّ شَـمْسـاً
أَطْفـأَتْ نِـيْـرانَـهـا
في الْـبَحْـرِ كَيْ لا تَـحْرِقَ
الأَصْـداءَ شَـدَّتْ فَـوقَـها
تَـحْـنو غِـطـاءَ الأُفْـقِ
وَاللَّيْـلِ الْـمُجـيـرِ
وَجْـهَ طِـفْلٍ غَسَّـلَـتْـهُ
الأنْـجُمُ الأبْـعادُ
ماساتُ الـثُّريـا …
وَالنُّسَيْـمـاتُ
اسْـتَـعارَتْ شَـرْشَـفاً
مِـنْ مَـخْـدَعِ
الأسْـحارِ لِلطِّـفْلِ الْـغَـريرِ
عَـلَّـهُ ينسى وَيَـغْـفـوْ
فَـوْقَ ريْـشِ
الْـغَـيْـهَبِ الرَّطْـبِ الْـوَثيرِ
في إهـابٍ رَعْشُـهُ قَدْ لَـفَّـهُ
نارُهُ في الـنَّـبْضِ .. لا هَـمْسُ الـنَّسيمِ
الْـحُلْوِ يُـطْـفيْ حَـرَّه في الوَجْدِ
أوْ لَـمْسُ الحربرِ
يُـغْمِضُ الـجَّـفْـنَـينَ مُـرْتًـجّا
يُـغَني حُـزْنَـهُالْـمَكْتومَ
يُـخْفي أَنـَّـةَ الْـمَحْمومِ
آهـاتِ الطَّـريـحِ
ثم تَـنْدى بَسْـمَـةٌ طِـفْلِـيـَّةٌ
مِـنْ هَـدْئِـها تَـرْتَـجُّ أكْتافُ الصُّـروحِ
رُبمَّا يَصْحو كَما يَصْحو الشَّـعـاعُ
الْـبِكْـرُ وسط الغيم كي تندى
الـطَّراوةُ في مخدات السّنا
تحت عنق الشمس في الْفَـجْرِ الصَّبوحِ
……
أَتَـرى يا حُـزْنُ ما سِـرُّ هَواكْ
حينَ جَنَّـتْ ساحِراتُ الْمَعْبَدِ الْمَشْبوهِ
حَـوْلي لَـيَّـلَتْ وَجْـهَ الـنَّـهارْ..
أطْـفـأَتْ في الأُفْـقِ
قِـنْديلَ الْـمَلاكْ
ضَـوَّأَتْ لَـيْليْ رُؤاكْ
…..
أَتَـرى يا حُـْزنُ ما سِـرُّ هَواكْ
بابِـيَّ الْـمَنْسيُّ لم يَـطْـرُقْـهُ
مَـخْلوقٌ هُنـا..
إلا يَـداكْ
لم يُـرَطِّـبْ قَـلْبيَ الْـمَكْويَّ
مِنْ جَـمْـرِ الـجَّـفـا إلا نَـداكْ
لم يَسَـلْ عَـنّـيْ وَعَـنْ ما بيِ سواكْ
الـِّرفـاقُ الـرَّائِـعـوْنَ
اسْـتَلَّ زِنْـدُ الليل
أسْـيافاً لَـهُمْ في وَجْـهِ طِـفْلِ
الشَّمْسِ لم يُـبْدوا حِـراكْ
لم تُـلَـوْحْ قَبْضَةٌ آمَنْتُ طِيْلَ العُمْرِ فيها
مَـرَّةً… لَـوْ مَـَّرةً
يَـوْمَ الْـعِراكْ
لَبِسوا أكْفانَ مَنْ خَـرَّ صَريْـعـاً
قَـبْلَ أنْ يَـأتي الْـهَلاكْ
….
اتَّـكيءْ يا حُـزْنِـيَ الأشْـهى عَـلَيّْ
فَـأنـا كُلِّيْ لَـديْـك الآنَ تبقى
يا حَـبـيـبيْ مـا لَديّْ
وَارْمِ مـا نـاءتْ بِـهِ
آهاتُـكَ الْـحَـيْـرى إلَـيّْ
فَـبِصَدْري غـارُ تَـنْـهيدٍ وَكَـيّْ
رَدَّه عَـنْ زَفْـرَة الأحْـقـادِ
عِشْـقُ الأَجْـمَلِ الْـمَـهْـزومِ
لا الـنَّـصْـرِ الْـقَـبـيْحِ
سَـدَّ بُـرْكـانَ الـتـَّلَـظيْ
أنَّ أسْـمى الْـعِـشْـقِ
في الْـحُـزْنِ الَـصَّفـوحِ
رائِـعـاً كالْـمَـجْـدِ يهمي
قـانِـيـاً
حـاشـا لِـمَجْـدِ الـجِّـرْحِ
مِـنْ قَـيْحِ الْـقُروحِ
كُلَّـما غَـطَّـتْـهُ أَعْشـابُ السِّنينَ
الْـوادِعَـهْ
حَـزَّ للجُّـرْحِ مَسـيلَ الْـفـاجِعَـهْ
قُمْ بِنا نَـقْـتاتُ أشـواكَ الْـحَنينِ
الْـمـوجِـعَـهْ
نَـرْتَـويْ مِنْ غَـصَـةِ الْـبُعْدِ
الْـفَسيحِ
دونَ أنـّـاتٍ وَشَـكوى
دُوْنَ لَـطْـمٍ أَوْ نَـحيْبِ
مِـثْـلَما طِـفْلٌ يُـحاكيْ الـنَّفْسَ
كَـيْـما يَـتَسَلّى
وَلْـيَكن لِلـدَّمْـعِ أنْ يَـهْـمي
عَلى الْـخَـدَّيْـنِ مَـهْلا
فَـدُمـوعُ الـصَّـمْتِ ـ إنْ تسري ـ
ضَـفِـيْـراتُ الـجُّـفونِ الكحلِ سحراً
لَـيْسَ أَحْلـىْ
مِنْ غَديرِ الـماسِ يَسْـري في
سَـنا الْـوَجْـهِ الْـمَليحِ
دَعْ خُطـانـا يـا صَديـقيْ تَـعْـتَليْ
حَـدَّ الصُّخـورِ الجارحة
كل خطوٍ عقربُ المهمازِ في الوقتِ الكسيحِ
هاتِ حَـدِّثْـني وَلا تَسْـألْ عَنِ
النَّـْزفِ الَّذي قَـدْ ضَـمَّخَ
الأقْدامَ كالحنـّـاءِ سـكبـاً
فـعزاءُ القلـب أنـّـا ـ دفـعةً ـ
دسـنا على هـامِ الجـروحِ
فامْـضِ نَـحْـوَ الـقِـمَّـةِ الأسْـمى
كَما يَـمْضي الأَصيلُ الحرُّ دومـاً للـجُّـموحِ
….
نَـحْنُ غَـنَـيْنا بِـصِدْقٍ لِلـرَّبـيعْ
وَاحْـتَـَرقْـنا مِـثْلَ بوذي لِكَـيْ
نُـعْلي لَـهيْبَ الـدِّفءِ
في وَجْـهِ الـصَّـقيعْ
لا يَـموتُ الْـحُبُّ حَتى جُـثَّـةً مَـحْروقَـةً
بَلْ يَـموتُ الْـعـاشِـقُ الْـمَـرْذولُ
حَـيَّـاً مُـذْ يَـبـيعْ
….
قَدْ تَـعَـرَّى الصَّدْرُ طِـيْـباً لَلصَّواعِقْ
وَهْـوَ يَـحْضُنُ حُـبَّـهُ مَـيْـتاً
ويأْبى أنْ يُفـارِقْ
وَهْـوَ يحمي قلـبَهُ المجنون … بَـرْداً
وسَـلامـاً
فـي الْـحَرائِـقْ
خُـذْ قَميصي رايَـةَ الْـعُشَّـاقِ
وَانْـثُـرْ فَوقَ أعْـناقِ السَّحابِ
الْـحُـرِّ بَـرْقـاً في الْـمَدىْ
أَشْـلاءَ روحـيْ
…
يـا أَخـيْ يـا حُـْزنُ
سـامِـحْني فـإنّـيْ
لم أَبـُحْ بِـالسِّـرِّ أنـّيْ
كُـنْتُ قَبْـراً طِـيْلَـةَ الدَّرْبِ أُغَـّنيْ
في فُـؤاديْ جِـثَـةَ الْـحُبِّ الذَّبـيْحِ
…
قُـمْ إذن يـا حُـْزنُ شَـيِّـعْني أليّْ
خَـلِّ جُـثْمانَ الْـحَـنـينِ الطهر بي
وَاقْـرا السَّلامَ العشقَ
والذكرى عَـلَـيّْ
وَلْـيَكُنْ لي أَنْ أَضُـمَّ الْـحُبَّ
جُـثْمانـاً وَأغْدو كَالضَّريحِ
وَلأَمُتْ في قِـمَّـةِ الإحساس
بِالطُّـهْـرِ الْـمُـعَـَّنىْ
وَلْـيَـعِشْ غَـْيريْ عَلى طَـمْيِ السُّـفوحِ