بقلم: أيمن أبو الشعر
كنا نودع ثلة من الأصدقاء في احتفال صغير في أحد مطاعـم دمـر في دمشـق، وكانت تجلس إلى طاولـة خلفنا امرأة مع رجل بدا بعد حين أنه غـدا عصـبي المزاج قليلا، كثير الشـرود عبر النافذة البلوريـة الضخمـة حيث كانت (هي) تجود ببعض الابتسامات إلى رجل آخر من وراء ظهـر (صديقها) كانت حركـات أصابعه وهـو يفرك وجهـه براحتيه تدل على أنه كان يعايـش بركانا داخليـا حقيقيا، ولم يمض وقت طويل حتى انضـم إليهما (ذاك الرجل) مع صديقه..
بعد دقائق خرجوا وأصبحوا تماما أمام النوافذ البلورية الضخمة من الخـارج .
كان مشهدا مريعا :
فر (الفارس) المتطفل هاربا متواريـا عن طلقات الرصاص ودارت المـرأة بهلع حـول السيارة لتفادي فوهة المسدس حتى فاجأها بالتفاف دورة معاكسة واستقرت الطلقـة الأولى ـ كما يبدو ـ في رأسـها فهوت على الفور.. وضـع فوهة المسدس في صدغه ثم تمهل، وتردد، ومضى إليها من جديد فأطلق طلقة أخرى في رأسها، ووقف بجانبها تماما وشد بقوة ضاغطا المسدس من جديد في صدغه وعلى الزناد..
وهوى تكاد تلامس كفه كفها والدماء تنهمـر بغزارة مشكلة جدولا مرعبا ينـحدر باتجاه حاوية للقمامة على بعد بضعة أمتار كأنما يكرس مدى عبثية موت كهذا..
ومن البديهي أن هذا المشهد كان مجرد باعث لكتابة هذه القصيدة وقد لا يكون له صلة وثيقة بأحداث القصيدة وخيوطها الإنسانية المتخيلـة انطلاقا من هـذه البواعث..!! إلا أنها مع ذلك قـد لا تجافي الحقيقـة في بعـض جوانب واقعنـا الاجتماعي مع احتمال تغيير الأبطال من ذكر وأنثى .
كانَ المساءُ يُـعانِقُ الْـمَقهى
وأجْنِحَـةٌ تُـرَفْرِفُ في سَكيْـنَـهْ
وَعلى عَمودِ النورِ يَـرْمُـقُـنا
غُرابٌ أسْوَدٌ لا أسْـتَـبينَــهْ
شَرَدَتْ بيَ الأحْلامُ نـَحْوَ لِـقـائِـنا السِحريِّ
يَـزْهو وسْطَ أضْواءِ المدينَـهْ
بِالْـقُربِ ساحِرَتي الْـمَلاكُ
وَوَجْـهُـها لي قدْ تَراءَى
عَـبْـرَ أحْداقِ الزُجـاجِ المُستَكينَهْ
وَأظَـلُّ أُوغِـلُ في حَوافي الانْـعِكاسِ
وَلَيسَ تَدْري أنـَّني لم أنْشَغِلْ
عَـنْها وَلوعـا ساهِـمـا إلابِـها
.. ياوَجْـهَها .. أرْنو لـهـا
سِـرَّا بآهاتٍ حَنونَـهْ
…. نَـزَعَتْ فَتيلَ القَـلْبِ نَـظْـرَتُـها
الـخَؤونَـهْ
حينَ انْـتَشَتْ في الرُّكْنِ تَسْتَجْدي عُيونَـهْ
تَـهْفو كَطِفْلٍ كُلَّما حَوَّلْتُ وَجْهي نَـحْوَها
وَتُـبَـْعثِرُ النَظَراتِ بينَ مَعالِـقِ الأطْباقِ
وَالكأسِ الـحَزينَــهْ
وَأَعودُ أُوهِمُ بالشُرودِ مُتابِعاً بِـمَلاسَـةِ البِلَّوْرِ
فَـنَّ الغَـدْرِ : تَلْويحاً بِكَفٍ سارَعَتْ
لِتَلُمَّ خُصْلَـةَ شَـعْرِها ، أَو قُبْلَةً في
الـجَّوِ مَوَّهَها السُعالُ ، وَرَجْفَـةً
عَفويـَّةً سَكَبَتْ على فُسْتانِـها ريقَ
الشَّرابِ فأسْرَعَتْ لِلبَـهْوِ مِثْلَ غَمامَةٍ
قَذَفَتْ بِـها ريحُ الرُعونَـهْ
حينَ اخْتَـفى مِنْ ركْـنِـهِ الشَّـبَحُ الذي فَوقَ
احْتِمالِ الشَّكِ أنْ يُـخْفي ظُنونَــهْ
وَأنا ابْـتِهالٌ ضارِعٌ أنْ تَـرْعَوي
لايَـمْلِكُ الـمَجْنونُ عِشْـقـاً
آنَ تَـنْكَشِفُ الرُؤى عَنْ غَدْرِهِ
إلاّ بِطَـلْـقَـةِ رَحْـمَةٍ في
الـرأسِ أنْ يُـشْفي جُنونَـهْ
….. تـيهي إذَن في لَـحْظَـةِ الْـجَمْـرِ
الجسورِ
هذا سَـفينُ الـحُبِّ يَـرْسـو وسْطَ ميناءِ
السَّعيرِ
كَمْ كنْتِ حاِضَرةً بقلبي في غِيابِكِ ثَـَّرةً
وَالآنَ يَـصْفَـعُني غِيابُـكِ في الْـحُضورِ
لَنْ تَـفْـهَمي سِـرَّ الـَبراكينِ التي تَـصْحو
دَفـائِـنُـها شَـظـىً
مِنْ هَـمْسَةٍ لِلشَّكِ في أعْطـافِ مَـغْدورِ
لَنْ تَـفَـهَمي سِـرَّ الأعاصيرِ التي في الْـهَدْءِ
تَكْشِفُـها ابْـتِساماتٌ مُلَـغَمَـةٌ
عَنِ (المْـاكانَ) وسْطَ الْـهَدء مَسْتورِ
لَنْ تَفْهَمي كَيفَ احْتَضَنْتُ الطَّعْنَ أسْألُهُ
ألاَّ يُـمَـزِقَ نـَـْصلُـهُ وَكْنَ اْلـعَصافيرِ
مَنْ عِشُّـهُ في القَلْبِ عـلَّ القَلْبَ يُسْـعِـفُني
كَي أَسْتَـعـيـرَ نِـداءَ الرَّعْـشِ لِلنـورِ
لنْ تَـفْـهَمي الإعْـجـازَ في حَبْـلٍ تُـجَدِّلُـهُ جِراحـاتي
لِـيَصْـعَـدَ بي نَـزيْـفيَ
فوْقَ رابـيـَةِ الـصُّخورِ
حَيْثُ الْـعَرينُ مَـهابَـةً لي مَـْرقَـدٌ
وَوَسـائدي زِنْـدُ الأُسـودِ
تَـغورُ في لَـحْمي وَأبْسُـمُ لانْـتِـصاراتِ
الـزَئـيــــــرِ
… هـذا اشْتِـعالُ الصَّمْـتِ في عَـلْيائِـهِ
جَلَـلُ اللظى يـَحْكي وِهـاجَ الـلهِ
في الطّورِ
لِـلـروحِ إنْ عـاشَـتْ تُـؤاخي الشَّمْسَ في
نِـيرانِـها جَسَدٌ تحاشاه التَّـعَـفُّـنُ
في القُـبورِ
جَسَـدُ له بَـصَمـاتُـهُ في جَـمْـرَةِ
العِشْقِ الطَّهورِ
لَنْ يَـسْـتَـقـيمَ مَـماتُـهُ الاّ على جَـفْنِ
العُصورِ
لاأتْـرُكُ الـجَسَدَ الـطَـعينَ بِـظَـهْرِهِ
في دِغْـلَـةِ الْـوادي طَـعامـا
لِلذئابِ
وَلِلغُـرابِ
تَـفَسُخـاً لِلدودِ في الـنَّـغْلِ الـحَقيـرِ
كـوني بِأحْلامِ الضِبـاع كَما تَشـاءُ
وَلـيـمَـةً
أشْهى مَوائِـدِهـا نَـواهِشُ جـيـفَـةٍ في الـخَصْرِ..
أو مَـهْـوى الـنـُحــورِ
مُـذْ أنْـتِ أولَـْمتِ الـنُـهودَ لِسِرْبِـها
أولَـمْتُ صَـدْري لِلسِـبـاعِ
وَلِلنُـســورِ
….. ما بَينَ وَمْـضَـةِ فَـوْهَـةٍ شَـعَّـتْ
وَفَـوْهَـةِ وَمْـضَـةٍ شَــقَّــتْ
طَـريـقـاً لِلْـمَصيــرِ:
جَـسَدانِ فَـوقَ الأرضِ، جَـدْوَلُ دافِـقٍ
مَـزَجَ الـدِّما مُـتَـفَرِعاً عَـبَـثـاً
كَـتَـبْـوالِ الـبَـعـيـر
….زَعَـقَ الـغُـرابُ
وَطـارَ في عَـتْمِ الدُّجى
وَعلى جِدارِ الـحُلْم أُغْـنِـيـَةٌ بَـكَـتْ
بِـصُراخِ طِـفْـلٍ
مُـسْـتَـجـيـرِ