المِحرق

لا تقفْ يا ركبُ إنْ رانتْ

محطاتُ الغروبِ

واحتمِلني لن تكفَّ الريحُ

عن طبعِ الهبوبِ

إنني التاعُ بحثاً

عن حبيبي

عاتبٌ يا وقتُ أنْ طالَ السفرْ

أنتَ قِدرٌ حولَ جِسمي

فارَ فيهِ الماءُ والنارُ الضجَرْ

أيّنا أجدى بألوانِ الشحوبِ

غادرِ التقويمَ واتركني

كميلادِ الصليبِ

إنني قد ذبتُ بحثاً عن حبيبي

وارحلي يا شمسُ أضناكِ اصطحابي

هزَّكِ الجوعُ فعذرا

كُلي بالعافياتِ جميعَ أطباقِ المغيبِ

لن أذوقَ الزادَ أو ألقى حبيبي

متعبٌ جفنُ الشعاعْ

من مسافاتِ الضياعْ

ذاك يكفي

أغمِضي جفنيكِ غيبي

أسلِمي عينيكِ للنومِ الرطيبِ

واتركيني

لن أنامَ العمرَ-أُسعِدتِ مساءً- إنني

قد ذبتُ بحثاً عن حبيبي

سوف يغدو البدرُ قنديلي

وأبقى باحثاً رغمَ الحوائِلْ

بين بصماتِ المشاعلْ

فاحصاً خصبَ المشاتِلْ

أينَ آثارُ حبيبي

خبأوا كلَّ الدلائلْ

زرتُ أحداقَ الحيارى

طفتُ آلافَ المنازلْ

كيفَ ضاعَ الخطوُ عن صدرِ الدروبِ

ولماذا قيَّدوني

فوقَ حُبي وحنيني

وسْطَ ساحاتِ المشاعرْ

ثم خلّوني وحيداً في متاهاتِ السهوبِ

وأنا قد ذبتُ بحثاً عن حبيبي

لستُ أدري كيف تلتفُّ الدوائرْ

كيف صارَ الجرحُ ملويّا بها

والحزنُ طائرْ

إنَّها الرؤيا فخلّوا للحروفِ

الدربَ ما بينَ الضمائرْ

أطفِئوا الأنوارَ ما مِن شارعٍ إلا عبَرنا

واحترفنا البحثَ ما مِن ساحةٍ إلا عرَفنا

ليسَ فيها من مجيبِ

لم يعدْ لي غيرُ مِحرابِ القلوبِ

إنني قد ذبتُ بحثاً عن حبيبي

أيّها الحرُّ المراهِقْ

مهرجانُ الموتِ لم يبدأ

وروما لم تغازلْها الحرائقْ

فلماذا تأكلُ النيرانُ عيني

ولماذا أبحرُ الآلامِ تُحشرُ في المضائقْ

من يخطُّ الأفقَ صفاً من مشانقْ

كي يخيفَ العطرَ في ثغرِ الزنابِقْ

لملِمي يا شمسُ أحداقَ الليالي

عانقيني

واحرقيني لن أبالي

ربما ألقى ظِلالي

عندما تعلو المَطارِقْ

فادفنوني باسمِ ثغرِ العشقِ

مِتراساً على صدرِ الخنادقْ

ربما ألقى حبيبي

يا رفاقي

لا يموتُ الحرُّ إلا موتَ عاشِقْ

ما الذي ينئيكَ عنّي

ولماذا نفترِقْ

يا حبيبي يا رفيقَ الدربِ

لم نُجبرْ على ما نعتَنِقْ

فلماذا أبعدوا بيني وبينكْ

لن يفرِّق عندما يُفري ظلامُ المكرِ عينينا

هل أصابَ الخنجرُ المسومُ عيني

أم أصابَ النصلُ عينَكْ

إن بقينا حينَ تأتي النارُ

في وهمِ الخصوماتِ احتواءً نصطفِقْ

كيف تنجو

كيف أنجو

كلُّنا قد نحترِقْ

مصدرُ الآلامِ واحدْ

يا رفاقي ليسَ حلماً أنْ يصيرَ الحبُّ قانوناً

وأن تُبنى المعابِدْ

للألى هزّوا سباقَ الموتِ أيامَ الشدائدْ

لم يموتوا

بعضُهم أمسى شعاراً

بعضُهم أمسى قصائدْ

فلنجدِّلْ عزمَنا للفجرِ نمضي

جحفلاً في شكلِ ساعِدْ

يا رفاقي وحدهُ الإنسانُ

إن أغفى صريعاً

في دروبِ الشمسِ خالدْ

فانشدوا لحنَ القضيَّةْ

واعزِفوا بالبندقيَّةْ

خندقُ الأحرارِ واحدْ