لبنان في القلب

رُدي إلى قَلبي يا شامُ نجوانا  
  إنْ أنتِ غيرُ هوىً وجداً ووِجْدانا
قُلادةٌ فوقَ جيدِ الشرقِ بارِقُها  
  يَزهو بها المجد إنجيلا وقرآناً
ما ليْ أُبَعْثِرُ حُباً في مَدى كَمَدٍ  
  وَيَرجِعُ الحبُّ بِالأوجاعِ لُبنانا
شَهْدُ التألُقِ إنْ رَنَّمْتَ لَسْعَتَهُ  
  مُذْ باتَ أصْدقُنا في العِشْقِ أشقانا
ضَفيرةُ البحرِ قلبي مِشطُ غُرَّتها  
  بالنبضِ يَرصِفُ هذا الشَعْرَ ديوانا
ما هامَ شدوا لها موال قبرة  
  إلا وفي الشام رجع الشدو ميجانا
حتى تماهَينا روحيِن في جَسَدٍ  
  هاجَ العِناقُ فَضَمَّتْنا ذِراعنا
لبنانُ في القلبِ ما نَبضيْ بِمُخْتَلَقٍ  
  وليسَ يُدرِكُ إنْ غنّى فأيّانا
لَو أنَّ سَهماً رمى بيروتَ لانقَذَفَتْ  
  صَدراً لَهُ الشامُ كيْ تلقاهُ عريانا
فَكيفَ يُعْقلُ أنَّ الجفنَ مُنسَكِباً  
  أردى الرموشَ وَكُحلاً فيهِ ظِلانا
وَكَمْ تَعَكَّرَ صَفوُ العاشقينَ سُدىً  
  فاسْتلَّهُ نَصلاً عُزَّالُ نَجوانا
الحاقدونُ وإنْ بالشمسِ تَسطعُهُمْ  
  لَشكّكوا بِرحيقِ النورِ بهتانا
نحنُ امتطينا جباهَ العزِّ في جبلٍ  
  قدْ بايَعَتْهُ فنونُ المجدِ سُلطانا
أينَ الذينَ تربوا في عَباءَتِهِ  
  كمْ أرْضَعَتْهُمْ رؤى الآتينَ عُنوانا
ما ضمَّ حلماً على ليلاهُ مُنكَفِئا  
  بل أنطق الصحو أنَّ الحلمَ ليلانا
إنـّا يوحِـدُنا يَخضُورُ وارِفَـةٍ  
  مَهما تَـباعَدَ في الأجواءِ فَـرعانا
فَلِلغَـمامِ نَـشيدٌ في شَـوامِـخِنا  
  إيقاعُـه الخصبُ لا خَـتماً وأوزانا
هل توقفُ البرقَ في الأوراقِ خارِطَةٌ  
  لو غابَ أحيـاناً ما كانَ أحيانا
من يعشق الورد لا يرضى تقطعه  
  وبائع الورد كم قد قص أغصانا
مَهْما تمادت بجحر الضب ضفدعة  
  فالوَحْلُ مَوئِلُها ذلاً وَنُكرانا
وإن نقيقٌ يقودُ العزفَ مُنتشيا  
  يَغدو النَهيقُ لهُ شدواً وألحانا
يحوطُنا الغدرُ والتاريخُ في وَسَنٍ  
  كأننا فيهِ ما كُنّا وما كانا
يا أيّها الزمنُ المخصيُّ ترصُدُنا  
  باسمِ المحيطاتِ أسماكاً وحيتانا
قد ضَرجَتْنا جموعٌ لا انتماءَ لها  
  كالطُحْلُبِ الرخوِ لا كالصّنجِ مِرنانا
قد يجرفُ السيلُ طمياً لا جذورَ لهُ  
  ويغسلُ الصخرَ مِثلَ السيفِ صَفوانا
يا كاهنَ المذبحِ الطاغي بخنجرهِ  
  في ثديِ مَنْ أرْضَعتْكِ العِزَّ ريانا
تدري النصال بكف الغدر صاغرة  
  أنْ انذلَ الخلق مَنْ قدْ خانَ أوطانا
ولِلجَحودِ وإنْ فاضتْ خَزائِنُهُ  
  روحٌ خواءٌ بما يجنيهِ خُسرانا
وليسَ لي وسْطَ هذا الخلقِ من وَطرٍ  
  لكنَّهُ وَطنْي عانيتُ ما عانى
المتعَبونَ بوشم الروح بَصْمَتُهُم  
  والحالمونَ لهمْ أشْرَعْتُ أجفانا
إني لأعْشَقُ حتى بِتُّ من وَلَهٍ  
  أُراقِصُ الكونَ في عَينيكِ أكوانا
قد آنَ يا شامُ بَعْضُ الدمِّ نَفْصدُهُ  
  مِنْ قَبْلِ أنْ يغشى قَيحاً وأدرانا
وأنْ نُطهِرَ تحليقاً إلى أُفُقٍ  
  سِربَ النسورِ فلا بوماً وغربانا
فكم تمطّت ثعابينٌ مُرقطةٌ  
  في حضْنِهِ فَحَّت سُمَّا وَوِلدانا
ذُريَّةُ الحيَّاتِ حَيَّاتٌ سَتَلْسَعُنا  
  وإن تَبَدَّتْ بُعَيْدَ الفَقْسِ دِيدانا
إني لأجْلُوَ وقْعَ النبضِ مُتهِماً  
  زيفَ التَملُّقِ لو قَد فاضَ شريانا
لا يسكنُ النبضُ حراً قلبَ منكفئٍ  
  لا يحَضُنُ القلبُ حُراً نبضَ مَن هانا
فأصدقُ الدمعِ ما قد كانَ مُنحَبِساً  
  فوقَ الجفونِ كما الفيروزُ خلجانا
وأشرفُ الدمِّ ما قدْ كانَ مُنْبَجِساً  
  وأكرمُ النزفِ ما قد كانَ هتّانا
مَنْ كانَ يفديْ حليبَ الأمِّ حرّرها  
  بالسيفِ والقلبِ مجليّاً وولهانا
فالقلبُ أمضى سلاحاً كيفَ تَنْزعُهُ  
  مِنْ عاشقٍ دمُهُ قد فاحَ برهانا
في مطلق الصوتِ قدْ بُحَّتْ حناجِرُنا  
  مِنْ ميسلونَ نُعيدُ النطقَ جولانا
أبكيك بغداد والأرحام واحدة  
  هذا الشهيد لنا ما ضم قبرانا
وكيفَ يَصدُقُ نابُ الذئبِ حاورَنا  
  مثلَ النعاجِ وإنْ نرقى فَخِرفانا
كمْ حاوَلَتْنا أفاعي رأسِ ميدوزا  
  والشامُ تزجرها بالدرع إيمانا
مهد الحضارات حرف فوق ساحلنا  
  والشمس رايتنا نورا ونيرانا
ما زال بوح عطور الشرق في دمنا  
  كم فاح في الغرب أرقاما وعمرانا
واليوم تبخسنا تيجانهم علنا  
  بئس المعايير مكيالا وميزانا
يمشي على رأسهِ عصرٌ يُكَبِلُنا  
  لو صَحَحَ الخطوَ باتَ النعلُ تيجانا