إلى روح الصديق محمود صابوني
تَشابهَتْ في مَدى الأجْداثِ بَلوانا | ||
يا رائعَ القلبِ قَدْ غيَّبتَ سَلوانا | ||
ما كلُّ مَنْ وُصِفَت حباً مناقبُهُ | ||
يومَ الوداعِ خليقُ الوصفِ ميزانا | ||
لكنَّ وصفَكَ قد أعيا بنا لغةً | ||
غَصَّتْ معَ النُطقِ لا توفيكَ عِرفانا | ||
كنتَ الندامى جميعاً كنتَ سيِدَهم | ||
ودّاً يبثُّ بِنا اليخضورَ أغصانا | ||
تحكي كأنك معزوفٌ على وترٍ | ||
أنتَ الحكايا التي باتتْ حكايانا | ||
غابَ الحبيبُ عن الأحداقِ مُرتحِلاً | ||
واستوطنَ القلبَ آلاماً وأحزانا | ||
كم قد توسَّطَنا بحراً نُساحِلُهُ | ||
فكيف غادرَ هذا البحرُ شطآنا | ||
وكم يغيبُ جليسٌ قربَ ناظِرِنا | ||
وكم نحاورُ من قد غابَ جثمانا | ||
غني طيورَ الموتِ قد حَظيتِ بِهِ | ||
كي يزخرَ الغيبُ بالأفراحِ نشوانا | ||
هل راحة القبر إلا كف قابلة | ||
تفضي إلى دنيا ليست كدنيانا | ||
ألغى الزمانُ زمانا في تَرَحُلِهِ | ||
مثل المرايا بسطح عمقها بانا | ||
ما ضمه الموت إلا كي يداعبه | ||
كمْ داعبَ العمرَ مهراً جامحاً لانا | ||
كم راقصَ الأفقَ رَهْواً في سَنا شَفَقٍ | ||
كم أنْطقَ الروحَ مِن مكنوزِ نجوانا | ||
قد وحَّدَ الوجدُ ما يبغيهِ مِنْ ألَقٍ | ||
فيما نُعابِثُهُ نثراً وأوزانا | ||
كم نستحق بأن نُرثى بمقصدِنا | ||
أَنّا نُعايِشُ ما قَد عَافَ مَوْتانا | ||
شَقَّتْ خماراً دنانٌ كانَ فارسَها | ||
كم فضَّ خاتمها وارتدَّ ظمآنا | ||
فلِلخمورِ بَكاراتٌ مُعتَّقةٌ | ||
تهدي مفاتِنَها مَنْ كانَ فتّانا | ||
كم بادلَ الكأسَ ترياقاً بمِحرَقَةِ | ||
هلْ تطفئُ الراحُ في الأرواحِ نيرانا | ||
يرمي كوقاد للجوف فِضَّتها | ||
ويُرجِعُ الكأسَ بالأوجاعِ ملآنا | ||
سُبحانَ مَنْ حمَّل الأسبابَ غايتَها | ||
ما كانَ يخلِقُ هذي الراحَ لولانا | ||
يا أيها الموتُ تَستقوي على جَسدٍ | ||
قد جاورَ الروحَ شَفّافاً وصنوانا | ||
يرنو لماريا شَلالُهُ عَبَقٌ | ||
فاحَ المسامُ رؤىً والعشقُ ريحانا | ||
أهدى الزمانُ عَجيبا في تمنُّعِهِ | ||
صحراءَ وَجْدٍ بِكَفِّ الموتِ بستانا | ||
أبا جريرٍ وداعاً أيُّها الرجلُ | ||
فالماوراء ـــ رَمى الألقابَ ـــ يلقانا | ||
كم أرْهَقَتْكَ سجونُ القهرِ في وطنٍ | ||
ملاذُهُ الموتُ لا سجناً وسَجّانا | ||
ما أفْزعَتْكَ نِصالٌ أنتَ شاحِذُها | ||
يومَ امْتَشقْتَ بِقَصرِ العدلِ بركانا | ||
كم يفلتُ الوقتُ ماءً مَسارَبِه | ||
بينَ الأصابعِ تذكارا ونسيانا | ||
كنّا نمازِجُ في رؤياكَ زَمْكَنَةً | ||
ما بينَ صوتٍ وآنٍ يَسْرِقُ الآنا | ||
ماهيتَ في ناموسِ العشقِ أغنيةً | ||
طقسأً يُرنمُ نَبْضَ القلبِ ألحانا | ||
ما وَدَّعتْكَ جُموعُ الأصدقاءِ سُدىً | ||
فالمُطْلَقُ الموتُ عشُّ الوجدِ أحيانا | ||
من حامِلٍ يبكي لِلنعشِ مُرْتعِشاً | ||
أو ناقِلٍ ذِكرى لِلنعشِ تحنانا | ||
يبكيكَ مُتكأُ الرؤيا وَمِنْ خَدَرٍ | ||
ينسابُ صوتُكَ في الشلالِ ريّانا | ||
حتى الخلافُ – وديعاً كانَ يجمَعُنا | ||
مثل الرفيفِ إذا ما فاحَ شكوانا | ||
ما أمكرَ الموت ذواقاً يُشاغِلُنا | ||
وَليسَ يَقطِفُ إلا طيّباً حانا | ||
كلُّ القبورِ كأسنامٍ تكوُرُها | ||
على الرُفاتِ بحضن باتَ سيّانا | ||
إلا ضريحُكَ كالأصدافِ حدبَتُهُ | ||
يحنو على لؤلؤٍ قد كانً أنقانا | ||
أبا جريرٍ ويكفي أننا أبداً | ||
كنّا نحاورُ في رؤياكَ مرآنا | ||
كنّا نشيرُ إليكَ إنْ وما نَفَرٌ | ||
مَنْ يَستَحِقُ بأنْ ندعوهُ إنسانا؟ |