عشتار وتجليات الواقع والمطلق بين الموت والحياة

  • السديم والنشوء

 

لم يَكُن للبحرِ عُرفٌ أزرقُ التكوين

وسط القيظِ أو وسْطَ الثلوجْ

لم يَكُنْ يدري ارتعاشَ الماءِ أو أنّى يموجْ

كانَ سطحُ اليَمِّ مرآةً لرؤيا الصمْتِ

في الياقوتِ والفيروزْ

وهدوءٌ مطلقٌ يستحوذُ الأكوانَ سِراً

وَهْوَ شيئاً لا يحوزْ [1]

لم يَكُنْ في البحرِ أمواجٌ ولا حلمٌ فتيٌّ أو عجوزْ

غيرَ أنَّ الشطَّ مبهورا ًتمرّى في انتعاشِ

الرملِ بلوراً بلونِ الحلْمِ والنيروزْ …

مذ مضت عشتارُ بعد الوصلِ عني

نحوَ حُضنِ الماءِ كادتْ أن تذوبْ

في رذاذٍ شفَّ عن أفقٍ ملاذٍ في الغروب

كَهُلامٍ يَتَشيّا مِنْ تلاوين الزبد

واستوى حينَ استعادَ الماءُ ذكرى

رَميِ أعضاءِ الكنوزْ [1]

فانتشى البحرُ مع الماءِ اللجوجْ

في اندفاعٍ وانسياحٍ في كِوى الخلجانِ

ما بينَ انكماشٍ وولوجْ

 

  • الانتعاش

 

لم يكنْ في البرِّ عشبٌ أو حراجْ

راسياتُ الأرضِ مِنْ صخرٍ بُروجْ

غيرَ أنَّ النهدَ أوما لمحَ تكويرٍ وكاسْ

للرُشيماتِ التي طافتْ على سطحِ اليباسْ

عبْرَ تنهيدٍ يفوحْ

سِرَّ سَفْرِ الخلْقِ والتكوينِ مِنْ نبْضٍ وطينْ

بالندى اليخضورِ صلى ثم ماسْ

بعدَ ليلاتٍ جَموح ْ

مُذْ مَضَتْ عشتارُ عني للسفوحْ

عانقتْ رملاً بتولاً مثلما يُنفخُ في الصلصالِ روحْ

بحروفٍ دونَ نطْقٍ تتهادى

في انبثاقِ النوعِ والميلادِ والوجهِ الصبوحْ

والندى من فَروَةِ الإخصابِ يسري في الرتوجْ [1]

فإذا الصخرً اخضرارٌ وملاسْ

وإذا الأرضُ مروجْ

 

  • النطق

 

لم يَكُنْ إنسانُ أهلِ الأرضِ يدري

غيرَ فَنِّ الصيدِ يَعوي

إن دنا مِنْ موسِمِ الإخصابِ

يلهو بالسروجْ

غيرَ أنَّ البرقَ في العينينِ غنى

لوميضِ الاحتِمالْ

حاضِناً كُنْهَ الجَمالْ:

أنَّ أنقى الحُبِّ يندى من مَسامِ الِجلْدِ

مرآةً لحبّاتِ الرِمالْ

مُذْ مَضَتْ عشتارُ عني للسفوحْ

بعدَ ميقاتٍ جَموحْ

فإذا للعشقِ طقْسُ

واشتعالُ الوجدِ رقْصُ

جاوَزَ الوجدُ الأعالي

فازديادُ الشوقِ نَقْصُ

مِثْل إيقاعٍ تعالى وسْطَ أقدامِ القبائلْ

بينَ وَهْجِ النارِ في درعِ الظلامْ

بِضَجيجٍ لم يَصِلْ بَعْدُ إلى مَعنى الكلامْ

مِن نداءاتٍ، صياحٍ، واحتدامْ

في شغافِ القلبِ فتْكاً وغنوجْ

فإذا النبضُ طُبولْ

وإذا الدُنيا صُنوجْ

 

 

 

 

  • الوطن

 

لم يَكُنْ وسْطَ الكُهوفْ

غيرُ جلدِ الشاةِ نقشٍ في غُضارْ

اللظى في الشمسِ يرنو للغروبْ

والندى في الليلِ يهفو للنهارْ

لم يَكُنْ في الكونِ غيرُ الانتظارْ

لا حياةً أو مواتاً لا زهوّاً لا احتضارْ

غيرَ أنَّ الحلمَ غنّى في المدارْ

راسماً كوخاً وحقلاً حَبْوَ أطفالٍ صغارْ

فابتدا عزفاً بنبضي لحنُ أوتارِ الديارْ

مُذْ مَضَتْ عشتارُ عني للسفوحْ

أنجُماً سَكرى بأقْمارٍ تناغي في التلالْ

كمْ تهادَتْ مِنْ هِلالٍ لهِلالْ

وانبثاقاتٌ رويداً ورويداً كالطُموحْ

بعدً أن فاضَ الجُموحْ

تحَضُنُ السُرَّةَ تشدو للوليدِ

الْمَجدِ آلاءَ الجروحْ

كالسنا مَدَّتْ إلى الأمواهِ كَفيّها فَشَّعَ اللؤلؤ

المكنوزُ في وسْطِ المحارْ

أوْدَعَتْ في الرملِ –تلهو- كاحِليها

غصنَ ماءٍ غصنَ نارْ

فانْتَشَتْ حُبلى عروقُ الصخرِ تزهو بالنُضارْ

وتحسَّسْتُ بِروحي ومساماتي رؤى عشتارَ

في جَفْنِ الزمنْ

عِندما انسابَتْ معاً

كلُّ أصداءِ التَماهي في الوجودْ

كلُّ حُلمٍ حُلمُ عينيها إذنْ

فإذا عشتارُ أفقٌ مدَّ طيفاً من عناقٍ

لولادات الحدود ْ

وإذا العشقُ انتماءٌ ووطنْ

 

  • الاغتصاب

 

بَعْدَ أنْ ماجَتْ مروجُ الأرضِ

وامتدَّتْ ظلالُ الخضرةِ الشهّاءِ غاباتٍ

وفي الأعماقِ من عشقٍ سبائكْ

وانتشى الزهرُ عبيراً رجعَ ألحانِ البلابلْ

طرَّزَتْ سجادةَ الليلِ حكايانا بِشُهبٍ ونيازِكْ[1]

غيرَ أني ذاتَ عِيدٍ من مَشاتِلْ

هائماً تابعتُ ظلَّ العشْقِ في حُضْنِ المدى

باسماً أرنو كَطِفِلٍ يَسْتَعيدُ الحُلْمَ مِنْ لَثْغِ الصدى

نُطقَ الجدائِلْ

فجأةً أمسيتُ كهلاً بِلُحيظاتٍ قلائلْ

هالني أنْ كانَ عجلٌ جامحٌ يرتادُ حلمي[1]

عنوةً ما فوقَ أعناقِ السنابِلْ

سيَّجَ الكُثبانَ بالنيرانِ والأشباحِ،

والرؤيا بزيفٍ من عويلِ الساحراتْ

وأنا أعدو كمجنونٍ على حَدِّ الصُخورْ

ليس َفي كفي سوى رمحٍ طريٍّ حَصَواتْ

وهيَ تبكي وتَنوحْ

عِندَ سردابِ العُصورْ

غابَ وجهي في ترابِ الأرضِ مُلتاعَ الأنينْ

وتشظَّتْ في السما روحي نداءاتٍ كَرَجْعِ الصَلَواتْ

سيّدَ الأوليمب قل لي ما مصيرُ العاشقينْ[1]

فيمَ أغدقت الجمالَ البكرَ والضدَّ اللعينْ

وجّعَلتَ القلبَ مني ساحةً للامتحانْ

هل تُرى يرضيكَ زهوُ الغدرِ رقْصاً

فوقَ آماقي وروحيْ

وأنا شلوٌ طَعينْ

ولماذا أنتَ يا مَنْ تبُصرُ المكتوبَ – حتى –  دونَ عَينْ

عالمِاً أبقيتَني أعمى عَنِ الآتي بِعينينِ اثنتينْ

وأنا رهنٌ لِوَهْنٍ كيفما تمُليه مَكلومٍ مُعنّى

أينَ خُلْدُ العشقِ إنْ في لحظةِ الآثامِ يَفنى،

إنْ تَكُنْ تعويذَةُ الغدرِ مآلاً وسْطَ ألواحِ الغُيوبْ

فلماذا كالسُدى تَنسابُ أنهارُ الدِماءْ

ولماذا كالردى تَنهارُ أصداءُ الرجاءْ

ولماذا بالمِدى وهمٌ تشفى طاعناً ظهرَ الوفاءْ

ولماذا تنحرً الظلمةُ أعناقَ الضِياءْ

وبصمتٍ ترتضي ما قد تجلّى أو توارى في الخَفاءْ

ولماذا كُلما عشتارُ غنَّتْ باسم حُلْمي جرَّحوها

ولماذا كُلما أوغلتُ في عِشقي إليها أبعدوها

ولماذا سارعَ الكهانُ في رشِّ الحُنوطْ

ورأوا في حشد من يهوى خِرافاً عاجلوها

بِسياطِ الطلسمِ المقْدورِ والإذعانِ أعلافِ القنوطْ

ثمَّ شادوا مذبحاً في معبدِ الأصداءِ والرؤيا عَدَمْ

وعلا إنشادهم حتى أصمَّ الهيكلَ

المرصودَ واكتَظَّتْ سحاباتُ البخورْ

عندما لاحتْ ظِلالُ الكاهنِ المسْعورِ واحتدَّ القَدمْ

كي تحارَ العينُ لا تدري يَقيناً

ما ترى والصوتُ يخبو من المْ

لو يُنادي منقذاً في الليلِ فمْ

جنَّ محمومُ النَغَمْ:

أيُّها النصلُ الأصمّْ

غُصْ إلى القلبِ استحِمّْ

هاتِ دَمْ

هاتِ دَمْ

 

  • المجزرة

 

إنَّ كفَّ الكاهنِ المجدورِ تعلو

فوقَ جِسمِ الشمعِ

مرتجاً بساطورٍ لَعينْ

وأنا تِلكَ المسافةْ

بينَ نصلٍ وشْكَ يهوي نحوَ صدرٍ يَستكينْ

وانبلاج الدم مخبوء الأنين

يتجلّى كلُّ عمري ها هنا فيما تبقّى

مِنْ ثوانٍ أو سِنينْ

قفْ بِنا يا أيُّها الوقتُ تجمَّدْ

خَلِّني في فُرصةِ الشوطِ الأخيرْ

مرةً لو مرةً ألوي ذراعَ الكاهنِ المسعورِ

دَعْ لي أنْ أحاولْ

فأنا لا أبتغي مجداً ولكنْ أتعبَّدْ

 

  • الفداء

 

غارَ صوتي نحوَ بدءِ الخلقِ والتاريخِ يستجدي

لغاتِ الأرضِ عن معنىً لفعلٍ دونَ معنى

ردَدَ الأصداءَ ميلادُ البراكينِ المثارةْ

ماعَ حتى الصخرُ وهّاجاً يُسائِلْ

مَنْ تُرى يحمي الجَنينْ؟

حين يمضي الخلق طابورا إلى جوف المغارةْ

حاملاً كالنَّملِ في صمتٍ نعوشَهْ

حينَ حتى الجفنُ يغتالُ رُموشَهْ

صاغراً في كلِّ حين ْ

عِندها اسْتلَّ الرنينْ

مِنْ بُطونِ الأرضِ أسيافَ البدائِلْ

وابتدا عصرُ الزلازِلْ

 

  • التحدي

 

ها أنا أذوي وأهذي باسمِها لحنَ النداءْ

كالرؤى في جَفن ِآتٍ دونَ بُدِ

أجْمَعُ الأعصابَ مُنشَدّاً كَعودٍ من ثِقابْ

مُذْ غَدا فيكِ التحديْ

أيُّها الطُهرُ تعمَّدْ

مثلَ برقٍ في السحابْ

عَهدُكِ اليخضورُ يا عشتارُ في

أغصانِ روحي يَتَوقَدْ

مثلَما قَد صنتِ عهدي

عاشقاً أمضي بلا ذنبٍ إلى صخرِ العقابْ

مانحاً نيرانَ حُبٍ ضوؤُها حُلوُ العذابْ [1]

مُشرَئباً صاغراً كالخيلِ للطائيِّ

في نحرِ الرِقابْ [1]

فَلْيَقُلْ مَنْ شَدَّ بُردي [1]

-لا صديقاً أو خَليلاً – نحَوَ لحَدي:

أننَّي يومَ المرايا ساوَمَتْ بالموتِ وَعْدي

قَدْ خَسِرْتُ المُطْلَقَ العِشْقيَّ في هذا التَحدي

غيرَ أنَّ الروحَ للآتينَ تُهدي

ومْضةَ العشَّاقِ بَعدي:

لا مناصَ اليومَ ما دمتَ الشِراعْ

مِنْ جُنونٍ في قِراعٍ أو سُكونٍ وسْطَ قاعْ

سوفَ تهدي:

أنَّ فَوحَ العِطرِ أقوى

حينَ تُردي كفُ جانٍ غُصْنَ وَرْدِ

وكَفاني أنَّ قلبَ الضَوءِ طُهْراً

باتَ يَدريْ سِرَّ أوهامِ الرجاءْ

وكفاني أنَّ حِقْدَ الليلِ عُهْراً

ضَنَّ حتى بالهواءْ

وكفاني أنَّني قَدْ كنتُ وحدي [1]

رمزَ ميراثِ الوفاءْ

ذاكَ يَكفي لأساطيرِ النقاءْ

سيَّدَ الأولمبِ..!! يا وهمي ووجدي

لا عِنادا بلْ مراداً

لم يبالغْ بي رحيقي كي ترى

في الفوحِ عِنديْ

أنتَ قد بالغتَ في ردّيْ وصدّيْ

 

  • الانتصار

 

إنْ خَسِرْتُ الفجرَ في هذا الرِهانْ

فأريجُ الأُقحوان ْ

سوفَ يحَكي للزمانْ:

كمْ ضئيلاً ناحلاً كانَ الشِراعْ

صادِقَ الألوانِ مِن نزفي وَوِدّي

كمْ عتيّاً كانَ إعصارُ الصِراعْ

غادِراً والكونُ ضِديْ

قد كفى مجداً بأنْ كانَ التَحدّي

بَيننا نِدّاً لِنِدِّ