شراعٌ تبدّى كمِرآةِ نارٍ لجمرِ الأصيلْ
قريباً مِنَ القلبِ حتى حدودِ التماهي
بِوصلِ العِناقْ
بعيداً عنِ الشطِّ والعينِ حتى فنونِ التَناهي
بِنصلِ الفِراقْ
على جبهةِ الأفقِ حيثُ الرياحْ
تولتهُ مِنْ كُلِّ صوبٍ بِسوطِ العويلْ
كطيرٍ كَسيرِ الجناحْ
صراعاً معَ الوحلِ ما مِنْ سَبيلْ
يساراً يشدُّ
يميناً يميلْ
أثينا تخلَّتْ عَنِ المركبِ الحُلْمِ آنَ اقتطاف البديلْ [i]
وبحارةٌ أرهقتهمْ رؤىً مِنْ دوارِ المدى
للُقيا نهارٍ توارى وراءَ الدُجى في حُدودِ الأبدْ
كثيرٌ تمناهُ قاعُ المحيطِ افتداءً
وما من بديل
وما مِنْ كَفنْ
لفُرسانِ أحلى الأساطيرِ يومَ الرحيلْ
إلى فروةِ التِبرِ نذراً لعُنقِ البلدْ [ii]
كثيرٌ رمى نفسَهُ يائِساً من كَمَدْ
لأنيابِ قرشِ الزمانِ الوبيلْ
وكمْ غاصَ رهطٌ إلى المنشِداتِ اكتوى
وسْطَ حُضنِ الزَبَدْ [iii]
فَشدَّتهُ نحوَ الكهوفِ الكِوى
في حِمى الأرْخَبيلْ.
-2-
وتَلهو السحالي بِبَهْوِ الضلوعْ،
صغارُ السمكْ
ومِنْ فوَّهاتِ الجماجمْ
سراطينُ تعدو ذِهاباً إياباً تشدُّ القواضِمْ
كلاليبَ ومضٍ وشيكِ انقضاضِ الشَرَكْ
تمنّيتُ لو لي بٍجسمي زَعانفْ
تمنّيتُ لو لي بِصدري غَلاصمْ
فلمْ يَبقَ فوقَ السفينٍ العليلْ
مِنَ الزادِ إلا القليلُ القليلْ
كأنَّ الأفاعي تشدُّ السفينَ التحاماً
معَ الأخطبوطْ iv
فلا خطوة، فَرسخاّ للأمامْ
إلى شاطئٍ الحلمٍ والمستحيلْ
فكيفَ اللقاءُ الجميلْ
سيأتي إلينا ولمْ يبقَ غيرُ القليلِ القليلْ
-3-
قليلٌ مِنَ الدفءِ في مَوقِدِ الرفضِ
وسْطِ الجليدِ الرضوخِ البليدْ
قليلٌ مِنَ النبضِ وسْطَ العروقْ
يُداري الذراعَ النحيلْ
قليلٌ مِن الزيتِ وسْطَ السِراجِ الدليلْ
قليلٌ مِنَ النُطقِ والحِبرِ في وَجهِ صَمْتٍ ذليلْ
قليلٌ قليلٌ قليلٌ قليلْ
ولمْ يبقَ نحوَ اللقاءِ الجميلْ
سوى يومِ عومٍ على رحلةِ الألفِ ميلْ
قليلٌ مِنَ الضوءِ حزَّ الظلامَ الوَبيلْ
قليل ٌمِنَ الرعشِ في جلدِ كفٍ دَنَتْ نحوَ نَعشي
قليلٌ مِنَ البرقِ مِنْ خَلْفِ رِمشي
تحدّى جنونَ الصليلْ
قليلٌ قليلٌ قليلٌ قليلْ
-4-
نزولاً إلى الشطِّ يا أقحوانَ الحنيْن
جموحاً إلى البوحِ يا قبلةَ الياسمينْ
أُواراً أُواراً لرملٍ سيغدو دليلاً منارا
عَقيقاً تلظّى اعتصارا
لأزمانِ خلقٍ أصيلْ
بإنشادِ وقعِ المجاديفِ للقادمينْ
على صهوةِ الموجِ عزماً، وفوحُ الزفيرْ
تهادى كَشالِ الضبابِ الندى
سَيرْسو السفينُ العليلْ
على شاطئِ الحلْمِ والمستحيلْ
سَيرْسو ويعدونَ مثلَ الظلالِ الصدى
بخطوٍ رَهيفٍ يحاكي الندى
على الرملِ سرّاً كوقْعِ الهديلْ
سَيرْسو.. ويأتي اللقاءُ الجميلْ
لَو أنّا نُغني جهاراً
معاً كلَّ هذا القليلِ، القليلِ، القليلْ
[i] الاتكاء هنا على أسطورة أوليسيز ( أوديس ) في رحلاته المليئة بالمخاطر ودور أثينا التي كانت تساعد البحارة وترشدهم إبان المغامرات.
[ii] المقصود الجزة الذهبية ذات القدرة الأسطورية على شفاء الجراح والتي حصل عليها ياسون بعد مغامرات مذهلة ليقدمها فداء لاستعادة عرشه
[iii] المقصود الحوريات السيرينات اللواتي كن يغنين للبحارة فيندفعون بإغراء هذه السيرينات لرمي أنفسهم إلى البحر ويكون مصيرهم الهلاك