نداءات إلى أبي الهول بعد التحنيط

الشاهد:
هل تُرى خانت عُهودي والحَنان
واستباحَتْ ماءَ وجهي مُذ مَضيت
أنتَ في تابوتِكَ الصمتيِّ
فاحتارَ الجَواب
كيفَ ياحُبي انتهيت ؟
أطفأوا قنديلَكَ الحاني وقالوا
ليسَ في القنديلِ زَيت
كانَ في خَديكَ مرآةُ السُفوح
كانَ في عينيكَ أزهارٌ وأطفالٌ
وأعيادٌ تَلوح
رُحتَ رغمَ الريحِ تبني
عشَّكَ الوضاءَ بيتَ الفَرْحِ
فوقَ الجرحِ والأشواكِ ملهوفاً مَشيتْ
حامِلاً أغصانَكَ الخضرَ
تُغني للبِناء
حطَّمَتهُ العاصِفات
قربَ عينيكَ وقالوا
لم يَكُن في الأفقِ بَيت
هل تُرى خانَتْ عُهودي والحَنان
واستباحَتْ ماءَ وجهي مُذْ مَضيت
أنتَ في تابوتِك الصمتيِّ
والتاعَ النِداء
آهِ كم ناديتُ صوتَك
حينَ صمتُ الموتِ جاءْ
ضارعاً أزجيكَ أفعالَ
التَمنّي والرَّجاءْ
رغمَ هزءِ العابرين
ما تُرى تُجديك ليتْ
في ضريحِ المومياء
لن يجيبَ الصوتَ مَيْت
لحظةَ ارتفعَ الغِطاء
هالني ما قد رأيت
آلةُ التسجيلِ مربوطٌ بها نطقُ اللسان
حَنطوك
لن يجيبَ سِوى الزَمان
هل تُرى خانتْ عُهودي والحَنان
لم تُجبني غيرَ أنّي قد وَعَيت
حينَ ياحُبي برغمِ الموتِ
محزوناً بَكيت

في بناء الهرم الأكبر:

عانَقتني القُبَّرَةْ
سلَّمتني سرَّ مفتاحِ القلوبِ المُقفِرَة
عمَّدتني بالفِداء
علَّمتني أنْ أرى خلفَ ابتساماتِ
السلامِ – الثيبِ – لونَ المَجزَرَة
حذَّرتني مِن مَرايا الشمسِ
أو مِن شمسِ خطِّ الاستِواء
عِندما أُحرقت في زيفِ الشُعاع
هِمتُ أن أرمي بِنفسي في ينابيعِ الرَجاء
حذَّرتني مرةً أُخرى وقالت:
ليسَ كلُّ الماءِ ماء
آهِ ما أقسى اكتشافَ الزيفِ
بعدَ الانتهاء
وانطفاءِ الحُنجُرَة
عِندما الأجيالُ تَسعى للبِناء
والمُمَوِلُ ساحِرة
تصبحُ الشمسُ انطِفاء
والمدينةُ مَقبَرَة
في المعبد
عانَقتني القُبَّرَة
بعدَ موتِ الذاكِرَة
طوَّفتني في بلادِ السيخِ والهندوسِ
غَنيتُ لبوذا
وتَمسَّحتُ بأذيالِ الوفودِ العابِرة
نحوَ أعيادِ الطُقوس
عِندما أسقطتُ اسمي
من سجلاتِ النُفوس
رافِضاً معنى انتمائي مُجبَرا
للعابدينَ الغيبَ أو نارَ المَجوس
عاشقاً طبعَ اخضرارِ الشَجَرَة
سجَّلوني في عِدادِ الكَفرَة
آهِ ما أتفهَ إيماني بِما خطُّوهُ لي
يومَ الولادةِ فوقَ صدرِ التذكَرَة
إنَّني أسألُ مَفجوعاً
إذا خُلِّقتُ في دلهي
ومن نسلِ الهنودِ البَرَرَة
أوليسَ الكفرُ فيها إنْ رفضتُ عقيدَتي
في أنْ أُصلي وإلهي البَقرَة
الذي يأتي ولا يأتي
كيفَ يصحو في نعاسِ الشمسِ نور
كيفَ يُبنى – إن تآخينا وريح الغدرِ –
ضدَّ الريحِ سور
هل تُرى كانَ ابتداءً أم نِهاية ؟
موتُكَ المرسومُ في ثغرِ الرواية
ما تُرى يُجدي حَديثي عن هبوبِ الريح
بعدَ العاصِفة
لحظةُ الكشفِ المُدمّى خاطِفَة
مثلما شقُ الجِراح
قبلَ أنْ تغدو نزوفاً راعِفَة
ها أنا أسقطُ من عالٍ
إلى وادٍ سحيق
ها أنا أمتصُّ سُمّاً تحتَ عنوانِ الرَحيق
ها أنا أغفو فأرضى إذ أرى في الحلمِ
أنّي قد أفيق
ها أنا أطرقُ قَيدي
صوتَ إيقاعِ النشيد
إنّني حرٌّ طَليق
إنّني حرٌّ طَليق
إنّني
إنّني حرفُ الحِكاية
فلِماذا شهرزادُ العصرِ ماتت
في الضُحى ياشهريار
ولماذا مَنصِبُ السيّافِ عاد
قبل أن تنُهي الحِكاية
ها أنا أرمي بنفسي للحَريق
ضارِعاً للشمسِ أن تَحمي عُيوني والمُراد
ولأمُتْ لا بدَّ للجمرِ المُرجّى من رَماد
رُبما تأتي من الدربِ المُضرَّجِ شهرزاد

الحلم الأخير:

لستُ أدري ما أُريدْ
بعدَ أن بِعتُ الوَريدْ
كي أصونَ الذاكِرَة
فإذا العقدُ الجَديدْ
أن يصيرَ الجفنُ سِجنا
للدموعِ الحائِرة
حفظُ حلمي في الجَليد
منعُهُ حتى من استقبالِ طيفِ الخاطِرة
اشتكي مِمن وخلجاني بِوجهِ الريحِ
تَستلقي لقانونِ العَبيد
تفتحُ الساقين حتى الخاصِرَة
رُحتُ أستجدي الصَعيدْ
أن يموتَ الموتُ
تحيا من جَديدْ
في الليالي الماطِرَة
كي تعودَ القاهِرَة
لستُ أدري ما أريدْ
بعد أن بعت الوريد
كي أصون الذاكرة
إنّني وهمُ المداراتِ الحبيسةِ
بينَ ذراتِ الحَديدْ
فاحتَملني في سقوطِ الأقنِعَة
واحتملني بعدَ كأسي السابِعَة
ضاعَتِ الألوانُ من أحداقِ عيد
مثلَ شحاذٍ تجمَّدَ في الصَقيع
قيلَ تمثالٌ بزندِ القارِعَة
في زمانِ القيلِ والقالِ المسيسِ والنَشيد
تُرسمُ الظلماءُ شمساً ساطِعَة
فاحتمِلني في شُرودي في جُنوني
صارَ طبعُ العقلِ عِلَّة
قاتِلي قاضي القُضاة
لم تَزَلْ كفّاهُ تَندى من دِمائي
كَبلوني جثةً سبَّحتُ عَدلَهْ
قاتِلي قاضي القُضاة
وأنّا باركتُ ظِلَّهْ
ما تُرى يُجدي ادعائي
إن تَوافَرت الأدِلَّة
**********