ابتهالات الحلاج إلى صلاة الغائب

داهَمَني الزمنُ الأرعَنُ حينَ اقترَبَ
آذانُ القدسِ ، وأنهى الأطفالُ
طقوسَ الرجمِ ، وحينَ ابتهلَ
حجيجُ الوطنِ لكي أتعبَّدْ
أنتَ العارفُ يا ألله
بسرِّ الوسواسِ الخنّاسِ
وهذا المطرِ الأسوَدْ
يا وجهَ الطفلِ القادمِ فلتشهَدْ
إنْ كنتَ مَعي
أو كنتَ عَليّ
أنّي لم أجعلْ من غيمي دِرعاً
في كفِّ معاويةَ الجماحِ
ولم أُرسلْ برقي سيفاً
في كفِّ عليّ
لكنّي ما كانَ لدَيّ
حينَ القاتلُ حاولَنا
كي ( نَقتُلَنا )
كي أغرز ضلعَ الإبهامَينْ
مجنوناً في خوخِ العينَينْ
وأشدَّ على عُنقي بيَدَيّ..
إلا أن أقضُمَ كالمحمومِ بأسناني
أليافَ الرُسغِ وأغصانَ الكفَين
يا وجهَ الطفلِ القادمِ فلتشهَدْ :
يومَ تصدَّعَ جسَدي لأصونَ ضَميري
أنّي ما هشَّمتُ نوافِذَ
حلمِ صَغيري
لكنّي ما كانَ لديّ
حينَ تقعَّرَتِ الآفاقُ مَرايا
كي تجعَلَ وجهةَ دربي
عكسَ خُطايا
إلا أن أرحلَ من جُرحي
لأسيرَ إليّ
وقضمتُ الإصبعَ تلوَ الآخر
في كفي واكتمَلَ المشهَدْ
لكنّي أبقيتُ السبابَةَ
في الكفَينْ
ليومِ تجيءُ شفاعةُ أحمَدْ
لأشيرَ بواحِدةٍ نحوَ القاتِلِ
عندَ الباري ليُقيمَ الحَدْ
أما الأخرى
فسأرفَعُها كي أتشَهَّدْ
****
قال الشيخُ الموغِلُ في الزُرْقَةِ:
إن شِئْتَ أمانَ الروحِ ..
فلا تتوغَلْ
أو شئتَ أمانَ الجَسَدِ ..
فلا تترَجَّلْ
****
عَبْرَ فحيحِ وِهادِ الرُعبِ
عَبَرتُ ولم أتمَهَّلْ
كي أنقلَ يا ألله
أمانةَ وعدٍ ليسَ يُؤجَّلْ
أمضي .. لاوقتَ لِوَقتي
برداناً .. يُدفِئني سَمتي
جوعاناً يُشبِعُني صَمتي
ووصلتُ البلدةَ
كانت أمّي في صحنِ
النارِ تسيحُ مُمدَّدةً والحاضرُ
وادٍ من لَهَبٍ يفصِلُنا
ورأتني فَرَمَت لي في آخرِ
رَمَقٍ كالملهوفِ ضفيرَتها:
خُذها حبْلَ نجاةٍ للطفلِ
القادمِ عَبْرَ المأساة
كانت عيناها ما ئِعتينِ بزيتِ
بُروجِ النارِ وضارِعتينِ
لكي أتعجَّلْ
.. لم يُبقِ لنا مجنونُ الحربِ
سبيلاً يُسألْ
كيفَ سأعبُرُ هذا الحبلَ
الواصلَ بينَ الماضي والمستقبلْ
كيفَ سأنقلُ سِرَّ الطفلِ القادمِ
خلفَ الآهِ .. ولا اترجَّلْ
كثبانٌ من فحمٍ وسخامْ
أشلاءٌ وبقايا عِظامْ
ما مِن نبتةِ عشبٍ تُؤكلْ
ما مِن قطرةِ نبعٍ تُنهلْ
ما في الأرضِ سوى الألغامْ
كيفَ المخرجُ يا ألله
وأينَ سأعقلُ كي أتوَكَّلْ
****
هلْ تُقبَلُ يا مولايَ صلاتي
ومناسِكُ روحي لأداءِ العُمرةْ
فاجأني القاتلُ بالدوّامَةْ
أجبَرني أنْ أقبَعَ في حَوّامَهْ
لا أدري كيفَ أولِّيَّ وجهيَ شَطرَهْ
حينَ دنوتُ لنبعِ الماءِ الطاهرِ زمزَمْ
ارتعشَ الماءُ وباتَ
وشيكاً أنْ يتكلَّمْ
واستجلى غدرَ الحاضرِ بالماضي
برؤىً تتشيأُ كهُلامٍ يلتَمّ
كانت هاجرُ في قعرِ البئرِ
تلوحُ وئيداً
وعلى العنقِ ندوبُ أظافرِ سارَهْ
تبدو كعُروقِ التبرِ
بجوفِ المَنجَمْ
لم تقبَلْ روحي أنْ أتوضأَ
حينَ النبعُ تَجَهَّمْ
وقصدتُ التُربَةَ
قدوسٌ رملُ الصحراءْ
كانَ الرملُ رطيباً بعجينِ
الأجسادِ وياقوتِ القلبِ
.. تلطَّخَ ثوبيَ .. وجهيَ ..
بالوحلِ الأحمرْ
هل تقبلُ يامولايَ صلاتي
والقاتلُ يختالُ على مَرأى
التاريخِ .. وفي مَنأى
القاتلُ في مَحفَلِهِ الماسونيِّ
تلوَّنَ كالحرباءِ
وحينَ علا التكبيرُ تَعَمَّمْ
قد ظلَّ طليقاً يا مولاي
وأنا لا أملِكُ قُربَ تِلالِ
الموتى إلا أنْ أشهَقَ
كالمأخوذِ وأنْ أتَرَحَّمْ
يمنعُني عَنْهُ مَسيلُ دِماءِ القَتلى
ونحيبُ الثكلى
وأنينُ المُعدَمْ
يشهدُ لي أنّي صنتُ الأسرى
يا مَن أسرى
أنتَ الأدرى بِرؤى زَمزَم
من يكتبُ وجعاً يقرأُ أوجعَ
والبادي أظلَمْ
هل تقبلُ يا مولايَ صلاتي
طَهَرتُ ثيابي والأبدانْ
لكنّي لمْ أقدرْ أنْ أمحو
مِن ذاكِرتي بُقَعَ الدمّ
فالقاتلُ ظلَّ طليقاً يا مولاي
برقابِ عبادِكَ يَتحكَّمْ
**************