ميخائيل بولغاكوف

ميخائيل بولغاكوف

 

من أشد المعادين للشيوعية، لكنه مبدع كبير

بقلم د. أيمن أبو الشعر (مجلة المعرفة)

  • لم يخف تعاطفه مع القيصر وأعداء الثورة “البيض” وكان هجومه على السلطات السوفييتية واضحا جدا
  • اتصل به ستالين شخصيا وعبر عن إعجابه به وحضر مسرحيته مرات عديدة وأزجد له عملا في المسرح
  • “القلب الكلبي” تجمع فن السخرية الذكية والخيال العلمي، وتطرح رؤية فلسفية مناهضة لمفهوم للثورة، وتدفع القارئ للتعاطف مع أعداء الثورة رغم مجافاتها لبعض الحقائق التاريخية

 

توطئة

يبدو أن بولغاكوف ولد بجينات معادية للشيوعية وللسوفييت، وظل كذلك حتى آخر أيام حياته، ورغم التأثير الكبير لرواياته بهذا الاتجاه تحديدا إلا أنه لم يُعتقل ولم ينف ولم يسجن، لكن بعض أعماله منعت لفترات زمنية مديدة. وسأحاول إلقاء الضوء على أهم أعماله سراعا وأتوقف بشكل خاص عند رواية القلب الكلبي التي يمكن اعتبارها من أروع الأعمال الهجائية الساخرة المناهضة للسلطات السوفييتية والشيوعيين، بل لا أبالغ إن قلت أنها عمل إبداعي غير عادي  في الفكرة والصياغة والتوظيف المحكم المترابط بحيث لا يفكر القارئ حتى في تمحيص مدى مطابقتها للواقع لأنه سينسجم حتما مع أحداث القصة، وسيتفاعل إيجابيا دون شك مع الأبطال الارستقراطيين الذين رسمهم بولغاكوف طيبين صادقين مثقفين وشبه مضطهدين بحيث نتعاطف معهم من كل بد، وسينفر القارئ من الأبطال الشيوعيين وتصرفات “شارك” الكلب الذي أصبح إنسانا، وهذا ما رمى إليه بولغاكوف وتمكن إلى حد كبير من الوصول إلى هدفه بإيصال هذه الفكرة للناس (إن محاولة إنشاء إنسان جديد متطور اشتراكي ستفشل حتما).

يقصد بحثنا هذا بالدرجة الرئيسية إظهار أمرين رئيسيين الأول هو أن الإبداع  الرائع ليس مقصورا على من نحبهم ويمثلون أفكارنا وتطلعاتنا وانتماءاتنا، بل يمكن أن يكون هناك مبدعون لدى الخصوم وحتى الأعداء أقوى تأثيرا وأكثر فنية وأعمق فكرا من مبدعينا ، والأمر الثاني هو أن أية سلطة حتى لو كانت تمثلنا أو نتعاطف معها تماما ستكون مخطئة في محاربة الأدباء المعارضين لها، ومنع  حتى مؤلفات الأعداء الحقيقيين، حيث تثبت التجربة خطل هذه الممارسة، فالكتب الممنوعة عادة تنتشر بسرعة أكبر وبشكل أوسع بكثير مما لو سمح بها، (1)  وهي تنتشر عادة حتى بين المؤيدين للسلطات التي منعت هذه الأعمال، وربما أثرت فيهم أكثر كونها ممنوعة حيث يتم الاعتقاد بأن ما تتحدث  عنه هذه الأعمال هو الحقيقة، ولهذا تقوم السلطات بمنعها، وبالتالي سينشأ تصور بأن السلطات ضد الحقيقة، وهو ما وقعت به السلطات السوفييتية في كثير من الأحيان، والأفضل بكثير كما أعتقد هو أن يُسمح بنشر هذه الكتب الانتقادية وحتى المغرضة التحريضية المعارضة بل والمعادية، وأن يقوم بعض الكتاب المثقفين المتمكنين العارفين بتفنيد الإدعاءات، وكشف خطل المعلومات غير الدقيقة، وطرح المعطيات الحقيقية بالوثائق، وفي حال وجود معطيات صحيحة مسيئة للمجتمع ولتوجهات الدولة  فيجب العمل على إزالتها قبل أن توغل كعامل سلبي في حياة المجتمع. ولكن لا بد من التمييز بين الانتقاد وبين التجريح ومجافاة الواقع أو الحقيقة التاريخية وكثيرا ما يحدث ذلك للنيل مت الاتحاد السوفييتي بحملات ممولة من الأوساط الغربية.

النشأة والتوجه السياسي

ولد ميخائيل أفاناسييف بولغاكوف في أيار- مايو عام 1881 في كييف عاصمة أوكرانيا التي كانت تابعة للإمبراطورية الروسية، وتوفي عام 1940. نشأ بولغاكوف في أسرة متدينة جدا وذات طابع أرثوزكسي محافظ، فقد كان جداه رجلي دين في الكنيسة الأرثوذكسية، ومن ثم كان والده أفاناسي أستاذا مساعدا في أكاديمية اللاهوت فيما كانت أمه فارفارا معلمة. من هنا يمكن إدراك تأثير هذا الوسط العائلي على نفسية بولغاكوف وهو طفل بعد مما حفر كما يبدو عميقا في روحه، وكرس منذ البداية مواقفه اللاحقة المعادية للثورة والسوفييت لأنها على الأقل تناهض الفكر الكنسي.

درس ميخائيل بولغاكوف في قسم الطب بجامعة كييف وتخرج عام 1911 منها، ثم تم تعيينه طبيبا في مقاطعة سمولينسك. في البداية عمل في الأرياف بما في ذلك في صفوف البيض (2) كطبيب عسكري ربما اضطرارا نتيجة التجنيد الإجباري حتى أنه يذكر في قصة إني قتلت كيف اضطر لقتل قائد الفصيل العسكري الذي كان يعمل عنده حتى يتمكن من الهرب (3) ، ولكن شقيقيه كانا ضابطين في صفوف البيض وحاربا مع الحرس الأبيض وقد هربا فعلا ولكن ليس باتجاه السلطات السوفييتية الوليدة بل من ملاحقة الجيش الأحمر، فيما توجه بولغاكوف إلى موسكو منذ عام 1921 ليعيش فيها وينصرف للعمل الإبداعي.

لم يسمح لبولغاكوف بالسفر خارج البلاد وعمل في المسرح، ووجه  أحيانا سخرية لاذعة لقسطنطين ستانسلافسكي الذي يعتبر مؤسس المسرح الروسي الحديث وصاحب نظرية التقمص الكامل للشخصية المؤداة وكأنها شخصية موجودة واقعيا بيننا، وكان له حضور واحترام كبيران في الأوساط الثقافية، ومع ذلك أو ربما لهذا السبب لاقى هجوما ساخرا من بولغاكوف الذي  كتب الكثير من الأعمال المسرحية المشبعة أيضا بانتقاد السلطات السوفييتية حتى ليحار المرء لماذا لم يسجن ولم يعتقل ولم يتم التخلص منه بل ظل في موسكو حتى آخر أيام حياته, ورغم أنه لم يعرف عنه التدين والتعصب للكنيسة إلا أن طابع العداء الذي حملته الكنيسة تجاه الثورة انتقل إليه بشكل لا شعوري من خلال نشأته بأسرة متدينة أبا عن جد ويلاحظ تأثره بالفكر المسيحي في المعلم ومارغاريتا ولو بتحوير مقصود في محاولة لربط مسار الخير والشر عبر الزمن من خلال اسقاطاته على مرحلة بيلاطس النبطي (4)  ولم يظهر بولغاكوف عداء علنيا سافرا ضد ستالين لكن انتقاداته المبطنة للزعيم لم تكن لتخفى على أحد ناهيك عن تسريبه للانتقادات من وراء السطور! ومع ذلك كان ستالين يقدره كأديب ويفضله على غيره، ويعتبر أنه بكتابته يضع يده على الجرح، حتى أن بولغاكوف ذات مرة حين ضاقت به السبل وظل بلا عمل كتب لستالين يرجوه أن يسمح له بالهجرة لكن ستالين نفسه اتصل به هاتفيا في اليوم ذاته وعبر له عن إعجابه به ووعده بعمل، وحصل على عمل فعلا حيث أصبح كاتب سيناريو في أحد مسارح موسكو.

 

الانتقاد العدائي نهج أساسي في أعماله

تتسم جميع أعماله تقريبا بالعداء للشيوعية والسلطات السوفييتية ولو بنسب متفاوتة، وكان في بداياته من أنصار الحكم القيصري بوضوح حيث اعتبر في مقالته “آفاق المستقبل” أن سقوط القيصر هو سقوط لروسيا كلها، ومعظم أعماله في العشرينات كانت نوعية مميزة، وفيها حتى سبق نسبي في مجال الخيال العلمي، لكن الانتقاد وحتى التجريح كان ديدنه وهاجسه دائما  إلى جانب السخرية الحادة من السلطات السوفييتية إلى درجة واضحة بل ساطعة، وسأتحدث باختصار شديد عن بعض الأعمال في مسيرته الإبداعية بهذا الاتجاه حيث كان يطرح الانتقادات سواء بشكل مباشر فاضح كما في البيض القاتل والحرس الأبيض والقلب الكلبي “التي سيكون لنا وقفة خاصة معها”، أو غير مباشر كما في العمل الرمزي النوعي الفلسفي في الثلاثينات “المعلم ومارغاريتا”

ففي روايته البيض القاتل (5) يستخدم الخيال العلمي عبر نشاط عالم هو البروفيسور بيرسيكوف الذي  يكتشف أسلوبا مبتكرا لتسريع نضوج  الكائنات الحية بحيث تكبر وتتكاثر بشدة وذلك لإنقاذ البلد من المجاعة المنتشرة إثر جائحة قضت على الدجاج، ويعتمد الاختراع الجديد على شعاع أحمر وعدد من المرايا، لكنه كعالم يشعر بالمسؤولية يتريث ويوقف التجارب لأنه كان يخشى من احتمال أن تخرج هذه الكائنات عن السيطرة، إلا  أن السلطات تسحب منه الاختراع، وتعين شخصا آخر للإنتاج، ونتيجة  تدخل المسؤولين وخطأ في استلام الصناديق تنتشر من بيوض الثعابين والزواحف المعدة للتجارب والتي قام  المسؤولون ( الذين يمثلون السلطة السوفييتية فهي التي أبعدت العالم وعينتهم بتوصية من الكرملين) بتوجيه الشعاع إلي هذه البيوض فتنتشر زواحف وأفاع ضخمة عملاقة تبدأ بمهاجمة السكان وابتلاعهم… وهو هنا ينتقد ويسخر بوضوح من غباء السلطات، وأن هذا الغباء يؤدي إلى الكوارث، وببراعة يجعل زوجة مدير المزرعة الذي عينه الكرملين أولى ضحايا الاستخدام الغبي لهذا الاختراع، بمعنى أن السلطات الغبية ستدفع ثمن غبائها أيضا، ويبرز كذلك غباء الجماهير العفوية التي تهاجم المختبر وتقتل البروفيسور بيرسيكوف وتحرق مختبره معتبرة أنه المسؤول عن هذه الكارثة…  (سنلاحظ بعد حين أنه يستخدم كذلك الخيال العلمي في القلب الكلبي عبر بروفيسور آخر في مجال الطب) وكان للبروفيسور بيرسيكوف أيضا مساعد هو فيودور استيبانوفيتش وهو يماثل في القلب الكلبي بورمنتال مساعد الطبيب العالم فيليب، وهناك نقطة رمزية هامة في التركيز على ارتكاب خطأ قد يبدو عابرا، وهو إرسال بيوض الزواحف والأفاعي إلى المزرعة الإنتاجية وإرسال بيض الدجاج إلى البوفيسور بيرسيكوف ما يشير إلى أن خطأ السلطات مهما بدا صغيرا فإنه سيسبب الكوارث..

ومن أهم أعماله الأولى المناهضة للسوفييت “رواية الحرس الأبيض” ( 6) التي لم يخف فيها تعاطفه  مع الضباط البيض المعادين للبلاشفة إبان الحرب الأهلية في روسيا، ومن البديهي أن تنهال الانتقادات عليه من الجهات الثقافية الرسمية، فعمل على تحوير الرواية في عمل مسرحي راعى فيه نسبيا بعض الانتقادات إلا أن الرواية ظلت في جوهرها متعاطفة مع البيض  ومعادية للثورة، فسحبت من المسرح ثم اعيد عرضها بعد سنوات قليلة،  وهنا لا بد من الإشارة إلى أنها لاقت تجاوبا من الزعيم ستالين الذي حضر عروضها مرات عديدة بداية الثلاثينات، وتشير المعطيات إلى أنها عرضت أكثر من ألف عرض وكانت البطاقات تنفد كل مرة في شباك التذاكر! أليس ذلك مؤشرا حساسا يطرح تساؤلا هاما وهو إن كان يلاقي كل هذا الاقبال الجماهري وهو كاتب مناهض معارض منتقد ألم يكن الأولى أن يتم الانتباه لهذه الانتقادات بدل محاربة الكاتب ومنع أعماله، وبما أن ستالين نفسه حضر العرض مرات عديدة (7) فهذا يعني أن هناك توجهات موضوعية ومنطقية حتى عند الزعيم، ولكن كانت آلة الرقابة كما يبدو ذات تأثير حاسم.

ولعل من أهم أعمال بولغاكوف في الثلاثينات رواية المعلم ومارغريت وهي رواية فلسفية متشعبة متنقلة بين الزمنين المعاصر والغابر، وتعالج قضايا الصراع بين الخير والشر والإيمان الإلحاد وهل وجود المسيح والشيطان حقيقة؟ ويمكن قراءتها على عدة مستويات خاصة أن الرموز غير واضحة المعالم تماما بطبيعتها الغرائبية  ، ويرى البعض أن أحد رموزها الجوهرية التي تربط بين بولغاكوف والمعلم رمزيا هو استعادة المعلم لروايته التي أحرقها، وكذلك إحياء بولغاكوف لروايته التي أحرقها بمتابعة كتابتها مجددا، والعبارة النوعية في الرواية “الكتب لا تحترق”، ناهيك عن أنه عمليا يصف بيته  الذي كان يسكنه واقعيا إبان وصفه للشقة رقم 50 في الرواية، ويبدو أن جارته الحقيقية الواقعية في الشقة “آنا غورياتشوفا” تتحول في الرواية إلى أنوشكا التي اشترت الزيت ودلقته! حيث كان الكثير من الناس يعيشون في شقق مشتركة تسمى “كومينالكا”.

يزور الشيطان فولاند موسكو ويمارس تأثيرا عجائبيا شريرا عبر التداخل الرمزي بين الحياة المعاصرة في موسكو والانتقال نحو قصر بيلاطس النبطي حاكم إيوديا، والمحور هنا هو يسوع الناصري، ومع ذلك يتسرب عبر هذه الثنائية انتقاد لفساد النخبة الثقافية في روسيا وابتعادها عن الدين وفي الوقت نفسه طغيان الشرور المتمثلة في قبول ألاعيب الشيطان فولاند وجوقته المسيطرة: القط العجيب الناطق بيهموت، ومساعده كروفيوف الخبيث، وهيلا مصاصة الدماء وكذلك القاتل أزازيلو، ويسيطر الشيطان على شقة الأديب برليوز ويتخذها مقرا له، ويحاول الشاعر بيزدومني (8) مواجهته وفضحه فيعتبره الناس مجنونا،  وحتى في استحضار زمن بيلاطس النبطي يتكرس فشل إنقاذ المسيح… ويبدو للحقيقة أنه من الصعوبة بمكان رسم مخطط دقيق واضح المعالم لترابط الأحداث وتطورها لكنها تسير كما لو أنها كرة دفعت نحو أسفل تلة فتتدحرج دون توقف.

تتحالف مارغاريتا مع الشيطان كي يحضر لها حبيبها “المعلم” ويعيد له روايته ويتركهما في الملاذ الأبدي، ويغادر الشيطان بعد ذلك موسكو مع جوقته ساخرا من الشرطة التي تحاصر الشقة كإشارة إلى عجز السلطات عن التأثير الحقيقي في الواقع . ويلفت النظر في هذا المجال أن بولغاكوف يرسم صورة إيجابية للشيطان مع نهاية العمل إذ يقوم فولاند بإعادة المخطوطة إلى المعلم الذي ظن أن النار حولتها إلى رماد وانتهت، كما أن هذه الشيطان الذي ظل طيلة الرواية يمارس الشر والألاعيب الحقيرة والسيطرة على شقة الأديب بلويز بعد قتله تحت عجلات الترام هو نفسه يقوم بجمع الحبيبين مارغاريتا والمعلم ويفتح لهم درب الطمأنينة الأبدية، بعد أن يظهر في زمن بيلاطس البنطي ويطلق سراحه ويجعله يلتقي بيسوع،  إلا أنه يكشف سرا هائلا في ما يمكن تلخيصه بعبارة المتنبي الرائعة: وبضدها تتبين الأشياء” حيث يوضح فولاند أن الخير لا يمكن أن يكون موجودا إن لم يوجد الشر، وكذلك لا قيمة لوجود المسيح دون أن يكون الشيطان موجودا، بل إن الشر هو الذي يُظهر الخير ويجعله ينتصر كنقيض له. بقي أن نشير إلى أن هذه الرواية نشرت بعد وفاة بولغاكوف بسبعة وعشرين عاما. (9)

القلب الكلبي رواية معادية “مذهلة”

ملخص مكثف

نصل إلى القلب الكلبي التي أعتبرها شخصيا ملحمة ساخرة مذهلة، فهي تجمع طابع الخيال العلمي في وقت مبكر إلى جانب التوظيف الرمزي وتقدم فريقين متناحرين وجسرا لهذا الصراع “الكلب الإنسان” بتصاعد متسارع لا يمكن أن يتقن ربط خيوطه إلا فنان مبدع حقيقي، وكل ذلك عبر أسلوب ساخر ممتع جدا وطريف جدا، بالتالي تبدو التوجهات السياسية خفية تماما لكن تأثيرها يبقى في المقدمة وفي ذلك تكمن حالة النبوغ لدى هذا الكاتب. وسأقدم الآن ملخصا مكثفا لمضمون الرواية ثم أعمد إلى تفصيلها ودراستها دراسة تحليلية.

يعطف البروفيسور العالم الجراح فيليب بريوبراجينسكي على كلب شريد في الشارع ويأخذه إلى منزله الكبير الذي حوله إلى عيادة ومشفى، ويساعده هناك الطبيب يورمانتال، ومديرة شؤون المنزل زينا، والطباخة داريا، يعيش شارك معهم ويقدم بولغاكوف مشاهد عن الحياة الواقعية، وبداية أحداث مضايقة أعضاء لجنة البناء الشيوعيين للبروفيسور، ومحاولة السيطرة على غرفتين من شقته الواسعة، وتمر كثير من الأحداث اليومية أمام الكلب الذي يتعاطف مع صاحبه الجديد ثم يستغل البروفيسور وبورمنتال مقتل أحد الأشخاص ويقوم البروفيسور مع مساعده بإجراء عملية جراحية معقدة يتم للكلب شارك ينقل خلالها نقل غدة القتيل النخامية وخصيتيه إلى الكلب، وتنجح العملية وبعد أيام تبدأ ملامح الكلب تتحول إلى ملامح إنسانية وتبدأ رحلة صعبة مريرة لتربية شارك وتهذيبه إذ تتضافر الخصال الكلبية السلبية مع ما ورثه من القتيل ذي السوابق الإجرامية فتفسد حياة البروفيسور وتحولها إلى جحيم فيما يتفاعل شارك الذي يصبح بمظهر إنساني مع الشيوعيين في لجنة البناء ويصل به الأمر إلى التآمر معهم على البروفيسور الذي يضطر إلى إجراء عملية معاكسة كي يعود إلى صيغته الكلبية السابقة، وحين يتهمونه بأنه قتل شارك يظهره لهم وهو في حالة نصف إنسان ونصف كلب ويقول ما زال العلم عاجزا عن تحويل الوحوش إلى بشر.

كشف المستور في ما وراء السطور

رغم أن التوجهات الانتقادية الساخرة من الثوريين والنظام السوفييتي الجديد واضحة للعيان إلا أن ما رمى إليه بولغاكوف أعمق من هذا الطابع الانتقادي السطحي الساخر، فهو في الواقع يحاول بما يكمن وراء السطور تقديم رؤية فلسفية حول تقييم الثورة بحد ذاتها كعمل تاريخي يعتبره نشازا، ورغم التركيز عبر الخيال العلمي إلا أنه يُبرز محاولة سيطرة التخلف العقلي والانحطاط الأخلاقي والطابع الطفيلي على مسار الحياة عبر الشعارات الثورية، وبالتالي السعي لأن يصبح من لا يملك شيئا مالكا لكل شيء، ولتحقيق ذلك يعتمد بولغاكوف على بنية فنية لها خصوصيتها تجعل النص محببا منذ البداية، لطيفا وبسيطا وواضح الصراع ومدلول بنية الشخصيات، وهو إمعانا في تلطيف الأجواء منذ البداية يطرح علينا كيف يفكر الكلب “بطل القصة”، وكيف يقيم تصرفات الآخرين، ويشكو من اضطهاد الناس له ما يرهص لأن يكون أحد شخوص الرواية تماما وليس مجرد كلب. عموما ممكن اعتبارها نقيضا من حيث التوجه لرواية استروفسكي كيف سقينا الفولاذ (10) والتي لم يوفر فيها الانتقاد لبعض مظاهر الفساد لكنه ينطلق تحديدا من الدفاع عن الثورة وتمجيدها.

منذ الصفحة الأولى “في الرواية بعد المقدمة” يدخل بولغاكوف القارئ إلى جو غير عادي، جو محبب حيث يقدم مونولوجا معمقا للكلب يشكو فيه حاله وخاصة بعد أن رماه الطباخ بالماء المغلي، وهو يناقش الأمور، ويقدِّر الظروف، ويصف الناس وعاداتهم وخاصة كيف يعاملون الكلاب ويتلذذون بتعذيبها وكم مرة ركلوه، ناهيك عن الألم بسبب البرد، والطريف أنه – عبر هذا المونولوج- يخشى على نفسه من التهاب الرئتين بل ويترحم على الطباخين الذين يرمون العظام للقمامة وعليها كمية لا بأس بها من اللحم، ويناقش ظروف حياة البشر وخاصة ذوي الدخل المحدود، ويقوم الكلب بوصف الرجل الذي يخرج من المتجر بأنه يختلف عن الآخرين فيزحف نحوه يستعطفه… ويستجيب “السيد الذي يختلف عن البروليتاريين”  العطوف المتميز عن الآخرين بمظهره وثيابه وسلوكه،  ويطلب من الكلب أن يتبعه، كل ذلك يقصه الكلب علينا ما يجعل من البروفيسور شخصية إيجابية مقبولة من القارئ منذ الخطوات الأولى نتيجة عطفه على الكلب وإطعامه واصطحابه إلى منزله، وهذا هام جدا للبناء الفني وحيثيات الصراع لاحقا حيث لا يشار ولا بكلمة هنا إلى أن البروفيسور كان ينوي استخدام الكلب في اللحظة الحاسمة كمادة لتجربة علمية يخطط لها منذ حين وهي عملية خطرة قد تودي بحياة الكلب، بل يبدو أنه اصطحب الكلب معه نتيجة شهامته ليس إلا.

أول انعطافة. في مسار القصة تحدث أول انعطافة حين يبدأ شارك (الكلب الإنسان) حياته الجديدة في بيت البروفيسور فيليب فيلبوفيتش، ونتابع مسار هذه الحياة بعيون كلبية عبر ما يحدثنا به شارك- أو شاربكوف، وأحيانا عبر الحوارات التي تجري قربه أو من خلال الرواي الذي يتابع وصف مشاعر شارك وارتياحه الشديد في ملاذه الجديد خاصة أنه تأكد من أن صاحبه هذا ليس بروليتاريا، هذه النغمة يركز عليها بولغاكوف بحيث يبين أن الكلاب تنفر من البروليتاريين من خلال مشاعره وهو بعد كلب بعد بغض النظر عما سيكون بعد ذلك وأنه نفسه سيتحول إلى نصير للبروليتاريا، ويركز بولغاكوف على إبراز أن شاريكوف أو شارك ما هو إلا كلب شوارع، وذلك من رصد حي ممتع للمنغصات والتهشيم منذ أيامه الأولى في بيت البروفيسور، ومع ذلك يعالج البروفيسور “الطيب” خاصرة شارك المصابة نتيجة رمي أحد الطباخين الماء الساخم عليه ليبدو الأمر كتعبير عن مزيد من العطف والتعاطف ونبل المقصد، لكنه في الواقع يريد جسدا سويا لتجربته التي يخطط لها، ويتابع الكلب شارك تقييم حتى زبائن الدكتور فيليب ويسجل انطباعاته التي لا تخلو من سخرية، ويقوم بولغاكوف إبان ذلك بعرض الأجواء السائدة وطباع وهموم شرائح المجتمع المختلفة، وحتى بعض الفضائح بما في ذلك الجنسية.

الانعطافة الثانية تبدأ “منذ الصفحة 35 ” حين يزور البروفيسور أربعة شيوعيين من لجنة البناء، ويبدأ جو التناحر على الفور من خلال طبيعة أحاديثهم المستفزة، ويخبروه أنهم ينوون تقليص شقته وسحب غرفتين منها، وأنها كبيرة جدا ورغم توضيحه بأنها عيادة ومشفى يطلبون منه أن يتناول الطعام في غرفة النوم وأن يدمج غرفة المكتب بغرفة العيادة، ولنلاحظ أن بولغاكوف منذ أول ظهور لهذه المجموعة التي تمثل الشيوعيين ونوعية السلطات السوفييتية الجديدة يصورهم بشكل يثير حمق القارئ الذي سرعان ما يرفضهم كشخصيات سلبية ممجوجة غليظة، فحتى الحديث يبدو غير منطقي على الإطلاق بحيث لا يمكن للقارئ إلا أن يتعاطف مع البروفيسور “البرجوازي” الذي يبدو موضوعيا ومنطقيا ومهذبا، وسيرفض القارئ تصرفات أعضاء لجنة البناء الشيوعيين، وسيؤيد حتما موقف البروفيسور الذي ينهرهم مؤكدا وهذا هام – كتحد- بأنه سيتناول الطعام في المكان الذي يتناول فيه جميع الناس الأسوياء طعامهم (الأسوياء- بمعنى أن الشيوعين غير أسوياء)، دون أن يأخذ الظرف الحياتي والمفارقات الطبقية بعين الاعتبار إذ يمكن ببساطة أن نحول كلمة الأسوياء إلى الأغنياء فالأسر الفقيرة التي يعيش جميع أفرادها في غرفة واحدة ليس لديها عدة غرف لتخصص واحدة منها لتكون غرفة طعام.

ويتابع الكلب تصرفات صاحبه بإعجاب، وعندما يلح الشيوعيون عليه بضرورة التخلي عن فرغتين في بيته يتصل هاتفيا بأحد المسؤولين الكبار ليخبره بأن عمليته قد ألغيت لأن لجنة البناء تمارس الإرهاب عليه، وتريد أن تقتطع غرفا من شقته، وقد قرر أن يترك العمل مما يدفع المسؤول إلى توبيخ اللجنة ويأمرهم بالمغادرة وترك البروفيسور وشأنه، وهنا يبرز أمر هام وهو أن بولغاكوف لا يقدم المسؤول كشخصية مبدأية نقية ” إيجابيو” ترفض إزعاج البروفيسور الجراح الشهير بل سرعان ما يظهر أنه يقوم بذلك لمصلحته الشخصية إذ  لم يكن هذا المسؤول ليتصرف على هذه الشاكلة لو لم يكن لديه عملية جراحية سيقوم بها البروفيسور! ويظهر من خلال الحوار التناحري أن البروفيسور لا يخفي عدم حبه للبروليتاريا بل يصرح به ( 11) كل ذلك عبر حوار جميل ببساطة تجعل القارئ يتعاطف مع البروفيسور حتما لا مع اللجنة الشيوعية الفظة! خاصة عندما يتحدث عن انتقادات حقيقية تتعلق باللباقة والنظافة والتصرفات الوقحة!!! وبالتالي سيقف الناس حتما ضد الوقاحة والغلاظة، ويؤيدون  اللباقة والنظافة، ولن يفكروا بأن هذا التعميم خاطئ وغير منطقي، فهو بشكل غير مباشر يصور أن جميع الشيوعيين هم بتلك الصفات السلبية المرفوضة، وجميع البورجوازيين هم بتلك الصفات اللطيفة  المهذبة الموضوعية.

الإنعطافة الحاسمة  تبدأ حين يحصل البروفيسور على بعض أعضاء جسدية لشخص قتل حديثا، فيسارع لإجراء عملية جراحية نوعية وخطيرة بنقل الغدة النخامية والخصيتين من القتيل إلى الكلب شارك، ويلفت النظر هنا أن بولغاكوف لم يكتف بذكر طبيعة شخصية القتيل ذي السوابق الإجرامية، وكونه يعزف على البلالايكا، بل استخدم أيضا خبرته كطبيب في رصد أجراء العملية بكثير من التفاصيل الدقيقة ما يجعل الحدث قريبا جدا من الواقع، فراح يقدم تقارير يومية عن حالة المريض “شارك” وبأسلوب طبي مهني تخصصي يستخدم عادة لرصد تطور الوضع الصحي للناس الذين أجروا عمليات جراحية، ويقوم بذلك بشكل تفصيلي مرهون بالزمن الطبيب بورمنتال يبدأ بديسمبر كانون أول عام 1924 بقصة المرض وسبب العملية كتجربة علمية ونتائجها المذهلة، وأحيانا وصف التطور بالساعات والدقائق إلى أن يأخذ الكلب شكلا آدميا يبدأ بالتطور كخبرات لغوية وحياتية بالتدريج ولكن بسرعة، وكل ذلك بأسلوب يجعل القارئ يعايش الحدث وكأنه واقعي جدا.

مرحلة التداخل وتتبدى من خلال تصرفات شارك الذي أصبح إنسانا لكنه يحمل صفات كلب الشوارع وبعض مورثات الرجل المجرم الذي نقل البروفيسور غدته النخامية وخصيتيه إلى شارك، وبالتالي يبرز بولغاكوف مدى انتصار سوقية شارك على كل محاولات البروفيسور ومساعده تهذيبه، بمعنى أن هذه الخصال أصيلة فيه لا يمكن تغييرها، وفي ذلك محور هام، فهو يقصد أن هؤلاء “الشيوعيين الذين سيغدو شارك قريبا واحدا منهم نتيجة هذه الصفات لا يمكن تغيير طباعهم، ويبرز حتى وقاحته وسلاطة لسانه وفشل الدكتور فيليب ومساعده برمنتال في تربيته بشكل راق، وحين يتعلم قليلا لا يتوانى بأن يذكِّر البروفيسور بأنه لم يعط موافقته على العملية، فيرد الطبيب البروفيسور بأنه ربما كان من الأفضل أن يبقيه كلبا، وحين يطلق شارك على البروفيسور صفة رفيق يثور فيليب فيليبوفيتش ويرفض أن يناديه بهذا اللقب!!! ويدخل بلولغاكوف عنصرا جديدا في تصاعد الحدث من خلال مساعدة لجنة البناء الشيوعيين لشارك وتحريضه كي يطلب تسجيله في منزل الدكتور، ثم يُظهر عبر بعض الحوادث مدى ما يسببه لهم من عذابات وتخريب في المنزل، وازدياد الوقاحة والسكر، ويظهر رفض البروفيسور لأي فكر شيوعي حين يطلب من زينا أن تحرق  كتاب كاوتسكي الذي أعطاه إياه شفوندر مسؤول اللجنة الشيوعية ليتثقف، وتصل الأمور إلى مرحلة من الضيق بحيث يبدأ البروفيسور بالتفكير باستئجار غرفة لشارك لكي يكون بعيدا عنه، ويضاف عنصر آخر في الصراع حين يعلن شارك أحقيته القانونية بمساحة في شقة البروفيسور، وتصل الأمور إلى أن يقوم شارك بالسرقة ويتهم مديرة شؤون المنزل زينا بذلك… ومن خلال الحوار بين البروفيسور ومساعده حول جوهر هذا الكائن يؤكد أنه أخطر حتى على شفوندر “الشيوعيين” من خطره على البروفيسور، وفي حال حرضه أحد عليهم فلن يرحمهم (12) ومع ذلك يثني بورمنتال عن فكرة قتل شارك للتخلص مسبقا مما يمكن أن يشكله من شر.

ومن اللقطات المميزة أن بولغاكوف يجعل شارك يعمل منظفا للشوارع من القطط الشاردة كتأكيد على تأثير الجينات الوراثية من أصله الكلبي، وحقارة التصرفات من مورثات المجرم الذي نقل البروفيسور غدته النخامية إلى شارك، وتصل الأمور إلى  أن يحضر شارك امرأة هي عاملة آلة كاتبة مكان عمله لتعيش معه في الشقة مقنعا إياها بأنه بطل جرح في المعارك برأسه، زد على أن بولغاكوف يبرز الخسة عند شارك فقد أخذ خاتمها للذكرى كما يقول، وراح يهددها، عندها لا بد من مخرج فيجعل بولغاكوف البروفيسور فيليب يشرح لها الحقيقة، فتغادر البيت، ولكي تكتمل دائرة عدم إمكانية التعايش مع “الكلب الإنسان”  يدخل المؤلف عنصرا خارجيا حاسما حيث يخبره أحد المسؤولين في السلك الأمني من مرضاه السابقين بأن شارك قدم تقريرا يشي فيه ضد البروفيسور ومساعده بأنهما عدوان للثورة، أي أن بولغاكوف تمكن بمهارة من إيجاد المخرج المناسب للسير نحو نهاية منطقية بإيصال التناحر بين البروفيسور وصنيعه شارك إلى مرحلة حاسمة لا بد بعدها من حدوث انعطاف نوعي، فعندما يعود شارك يطلب منه البروفيسور مغادرة الشقة لكنه يشهر السلاح ما يضطر بورمنتال للعراك معه ويستمر العراك متنقلين بين الغرف إلى أن يصلا  إلى طاولة العمليات وقد بات شارك في حالة غيبوبة، عندها لا مفر فيجري البروفيسورله عملية معاكسة، وبذلك يحاول أن يؤكد أن تربية الرعاع- والمتخلفين مصيرها الفشل، فحين تاتي الشرطة والأمن مع لجنة البناء لتفتيش البيت بتهمة أن الطبيب قتل شارك يُظهره لهم وهو في حالة وسطى بين الكلب والإنسان، وحين يسأل المحقق وكيف إذن عمل موظفا في الدولة فيرد عليه البروفيسور بتشف بأن شفوندر هو الذي رشحه! ويعلن البروفيسور أن العلم لم يصل بعد إلى إمكانية تحويل الوحوش إلى بشر ( 13).     ولو ترجمنا هذه العبارة وفق مقاصد الرواية لكانت “لا ايمكن عن طريق التوجيه والتهذيب تحويل الشيوعيين إلى أناس راقين” ولهذا يعود شارك على أصله.

من الواضح أن بولغاكوف استفاد من أسلوب غوغول ( 14 ) المميز في السخرية من المسؤولين، ومفارقات الحياة لكنه كان يتوجه بحكم مرحلته الزمانية لانتقاد المجتمع الرأسمالي الاقطاعي المستبد، فيما رسم بولغاكوف لمسار الثورة البلشفية والسلطة التي تمخضت عنها نموذحا كاريكاتوريا شنيعا ومرعبا، يمزج فيه التخلف العقلي بالوقاحة والعيش عالة على المجتمع مما قد يدفع العلماء والمتنورين والمثقفين للمغادرة أو الانزواء، فحين يتحدث البروفيسور فيليب مع المسؤول شاكيا تدخل اللجنة الشيوعية في حياته يقول يحذره بأنه قد يكون مضطرا لإغلاق العيادة والمغادرة، وهو هنا يطرح الأمور بمباشرية ووضوح وليس اتكاء على الرموز والغرائبية كما في المعلم ومارغريتا، والرمز هنا واضح كذلك ظهور شارك كان نتيجة عملية معقدة أنتجت مسخا روحيا، وبالتالي فإن ظهور السلطة السوفييتية حسب بولغاكوف  كان نتيجة عملية معقدة (الثورة) وكلا العمليتين خلقتا مسخا روحيا، وبما أن البروفيسور يحل المعضلة بعملية معاكسة يعيد فيها شارك إلى حالته الكلبية، فبالغاكوف ضمنا يشجع  على عملية معاكسة تعيد الشيوعيين والسلطة السوفييتية إلى الحالة الأولى كطبقة خاضعة للفئة الحاكمة من الأغنياء وأنصار الحكم القيصري، وأن مسار وأفكار ومخططات بناء الاشتراكية هي بمثابة عملية جراحية لتحويل هذا القطيع إلى ما يشبه البشر ليؤكد بذلك أن مجمل العمل الثوري واستخدام القوة هما عمل ومسار خاطئان، إنها محاولة لتدمير قيم العالم وتقاليده الإنسانية…

يمكن القول أخيرا أن بولغاكوف كان دون شك معاديا للثورة البلشفية والسلطات السوفييتية، وطرحه للأحداث والشخصيات كان انتقاء “ماكرا” بما يخدم أفكاره وهدفه، وليس انعكاسا موضوعيا عن الواقع، بل إن فيه الكثير من الإجحاف والمبالغات المقصودة، وفي أعماله بعض الجوانب المجافية للحقيقة التاريخية نفسها، لذا  يؤخذ على بولغاكوف أنه لا يشير إطلاقا ولو بعبارة إلى مدى شرور العالم القديم واستغلاله للإنسان واضطهاده وقمعه، واستحواذ كل شيء لطبقة مسيطرة قليلة، وترك بقية الشعب في حالة جهل وفقر مدقع حتى ليبدو في أعماله أن الثورة البلشفية كانت خطأ عابرا، ولم تكن نتيجة تاريخية لتراكم هائل للظلم والقهر والاستغلال…

لكن علينا أن نعترف أيضا أنه استطاع بذكاء استغلال الأخطاء الموجودة، وتصويرها بأنها هي المهيمنة والمقياس في حين كان المجتمع يسير نحو الخلاص من العبودية بحماس وقوة رغم وجود هذه الأخطاء… المهم إنه صاغ كل ذلك بمهارة فنية عالية!

 

 

  • هناك مقولة شائعة لدى دور النشر ملخصها: إذا أردت تسويق كتاب بشكل واسع دع السلطات تمنع تداوله
  • 2 كان البلاشفة يلقبون بالحمر وخصومهم بالبيض وكثيرا ما استخدم مصطلح الحرب بين الحمر والبيض بهذا المعنى، وقد خدم بولغاكوف في البداية في قوات الحرس الأبيض
  • مختارات من روائع القصص الروسية – وزارة الثقافة السورية صفحة 64
  • حاكم مقاطعة يهودا أو أيوديا وحسب الأناجيل الأربعة كان قد تولى محاكمة المسيح وأمر بصلبه رغم قناعته ببراءته، وكان دمويا قاسيا.
  • كتبها بولغاكوف عام 124 وصدرت عام 1925
  • نشرها وزلغاكوف على شكل أجزاء متلاحقة عام 1925
  • بعض المعطيات تشير إلى أنه حضر العرض 12 مرة
  • بيزدومني تعني بالروسية المشرد
  • يشار إلى أن الرقابة حذفت ما يتعلق بممارسات الشرطة السرية في موسكو في طبعة عام 1967
  • من أشهر الروايات السوفييتية التي تتحدث عن صراع الثورة البلشفية مع أعدائها وتفاني البطل في الدفاع عن قيمها وتعرضه للإصابات والمرض والشلل ويبقى منافحا وصامدا حتى النهاية وهي عمليا قصة حياة ونضال الكاتب نفسه نيقولاي استروفسكي.
  • في حواره مع المرأة من جماعة الشيوعيين تتهمه بأنه لا يجب البروليتاريا فيجيبها ببساطة “نعم أنا لا أحب البروليتاريا” القلب الكلبي ترجمة د. نوفا نيوف دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع ص 42
  • المرجع السابق صفحة 132
  • المرجع السابق صفحة 153
  • نيقولاي غوغول (1809- 1852) يعتبر رائد القصة الروسية وخاصة الساخرة من أشهر أعماله النفوس الميتة والمفتش العام والمعطف ومن أشهر المقولات التي تعترف بفضله على القصة الروسية مقولة دوستويفسكي كلنا خرجنا من معطف غوغول