“كتب الدكتور خالد زغريت: أيمن أبو شعر الذي أراد للشعر أن يكون مصابيح عابري الجراح

“كتب الدكتور خالد زغريت: أيمن أبو شعر الذي أراد للشعر أن يكون مصابيح عابري الجراح

أيمن أبو شعر” علامة بهيّة في تاريخ بناء القصيدة الحديثة التي لم توغل في تهويمات اللغة، ولم تتقنع بقمصان الصور القابعة على رصيف الخيال السابح في ضباب الهواجس، ورجاجة التداعيات، عبقت أشعاره برائحة الأرض، وعرق الأيدي التي تعانق السنابل والشمس في الحقول، ترتل أصداء آلام أحلام الصبايا، وتوقع عذابات بوح عطر الزيزفون والزعتر البري.

 

أنشأ أيمن أبو شعر شعريته على نار أحاسيسه المشبعة وجعاً من ظلمات الواقع العربي، لم يخش على قصيدته من ثقل أجراس الثقافة الإيديولوجية، ببراعته لم يجعلها عورات في جسد القصيدة المضيء، وتدفق أيمن أبو شعر بكمٍّ هائل من المجموعات الشعرية ، كانت أصداء شعريتها تثخن جدران الظلام، فلم يستعر لصوته أنغاماً تلون بحّته الخاصة، ولم يقلق من جماهيرية القصيدة، حين كان روادها المدججون بالعلمية يجرّمون الجماهيرية.

في ديوانه الحزن ألق وصلاة عاشق ، لم يلبس شعره فيه جبة صوفي، لكنه جعل حروفه مصابيح أنوار هيامها البعيد بالبهاء الخفي، فتوهج بنار وجده:

 

الآن تغمرني القصيدة بالأسى

غماً وحزنا ..

متزملاً بالوجد والذكرى ..

أهفو كجمرات انتظار في مدى الأيام

على غمامة أخرى

تهمي على عمري

أمطار عمري ما تمنى

أكبو بلا أمل وتعبرني الرؤى نصلا

فيغدو الجرح إيقاعاً لها

والنزف وزنا .

 

الحزن في شعر أيمن أبو شعر، فيض أنوار رؤى تومضه حروف القصيدة، وترتله ترنيمات وجدان عال، وكأن أيمن أبو شعر يحلم أن تكون القصيدة فرساً تجوب به وديان الأماني النبيلة، ليقطف في سلال صهيلها عنب عابري الجراح، لكن ذئاب يوسف تكمن لها لتشرب صهيلها أعلى جبال الخوف من بهاء الصهيل، ولا تجد القصيدة الفرس إلا صدى صهيلها، تشربه حين تعطش في صحراء واقعها، ويصير تنوير الكلام كحشيش ممنوع في عالم من الخفافيش لا تألف إلا الظلام، يحبَط الشاعر من ارتداد قصيدته إلى سجنها في داخله، ويفقأ وجعُ الناس عيونَها، لكنها تبقى على مضاضة ألمها، تحلم بقميص يعقوب يرد عليها بصرها، فيهدهد القصيدة الذاهلة بفجيعة تعميتها، يتعبد الحزن ويتهجده لعله يوقظها من موتها، ففيها ما يشفع لليقظة، فليس للكهف أن يميت نور فتية حين لاذوا بنورهم إليه:

 

أيها الحزن الجميل

يا صديقي

يا مليك النبض في الإحساس

يا أصداء روحي

قم بنا نمضي على مهل

إلى أفق الحكاية

واللقاء المستحيل .

 

يصير الحزن صديق الشاعر حين يرى أحلامه بالجمال تنهار كجبال الكلس، ليست العلة بهشاشة الأحلام، لكن الواقع الآيل إلى الغابة، حيث لا يحرس الجميل فيه جماله.

عاش أيمن أبو شعر متعبداً في محراب الدعوة إلى الخير والجمال والسلام، ينشد آفاق الحضارة لأمته، في الوقت الذي يممت وجهها صوب الهاوية، والتخلف، تتقهقر عن ركب الحضارة، وتدخل عنق زجاجة الماضي تمجده، ولا تملك أن تستعيد مجده، فتعيش مرض النكوص.

أراد أيمن أبو شعر أن يكون شعره مصابيح كرامة الإنسان والوطن، ومصابيح عابري الجراح، فسكب فيها من دمه زيتها، لكن الريح، كانت أقوى، وعلى الرغم من هذا الإحباط، لم يستسلم، بقي ثابتاً على شعره الذي يمجد الأمل في انتصار الإنسان، وتجاوزه قمقم خموله، بقي يغني له حتى يفيق وينطلق في أفق إنسانيته، بقي يغني له ليوقظ فيه مارده الإنساني، فالإنسان الحي لا بد أن ينتفض على صدأ وجوده.