للأسف تبدو عملية تضخيم أخطاء الاتحاد السوفييتي في معظم الأحيان محاولة للتستر على الجرائم المذهلة التي قامت بها القوى الغربية ضد الشعوب وضد خصومها، ولطمس أو إنكار المذابح التي قامت بها هذه القوى بدءا من مذابح الأرمن على يد الأتراك بأكثر من مليون إنسان، ومذابح الجزائريين على يد القوات الفرنسية أيضا بما يزيد عن عدة ملايين تختلف التقديرات بشأنها، ومذابح الفيتناميين على أيدي القوات الأمريكية قرابة ثلاثة ملايين إنسان أو أكثر، وغير ذلك كثير…
وإن كانت عمليات الإبادة الجماعية هذه قد تمت في ظروف الحرب، أو لقمع الكفاح المسلح وهذا لا يبرر الوحشية، فإن أكبر مجزرة ضد الشيوعيين لتصفيتهم في ستينات القرن الفائت تمت دون حرب، فبعد استقلال إندونيسيا من الاستعمار الهولندي عام 1945 اتبع سوكارنو سياسة مناهضة الامبريالية وشكل مع عبد الناصر وتيتو ونهرو مجموعة دول عدم الانحياز، وظل يدعم الشيوعيين الأمر الذي لم يعجب كبار ضباط القوات المسلحة والإسلام السياسي، وخشيت الولايات المتحدة وبريطانيا من تنامي قوة الشيوعيين في إندونيسيا إذ كانوا يشكلون ثالث أضخم حزب شيوعي في العالم بعد الصين والاتحاد السوفييتي حيث بلغ تعداد الحزب أكثر من ثلاثة ملايين عضو، وقرابة عشرين مليونا من المتعاطفين معه، فتمت فبركة حركة انقلابية مزعومة اتهم الشيوعيون بأنهم وراءها، وعلى الفور نفذت حملات كان من الواضح أنها أعدت مسبقا من القوات المسلحة والميليشيات الإسلامية المسلحة، وقاموا بعمليات إعدام وسحل وتقطيع أوصال وبقر للبطون في الشوارع للشيوعيين ولمن يتعاطف معهم خلال عدة أشهر نهاية عام 1965 و بداية 1966 واضطر سوكارنو للتنحي وظل رهين بيته حتى وفاته، ورغم أن المعطيات الغربية تشير إلى نصف مليون قتيل من الشيوعيين وأنصارهم إلى أن إحصائيات أكثر دقة وموثوقية تشير إلى ثلاثة ملايين ومئتي ألف قتيل، وزجت أعداد هائلة من المتعاطفين مع الشيوعيين في السجون وحظر الحزب الشيوعي و استتب الأمر لسوهارتو الذي تابع تصفية الشيوعيين بدعم من أمريكا وبريطانيا “الدولتين المتحضرتين” اللتين رحبتا بهذه الإبادة الجماعية، لكن الأغرب أنه رغم مرور أكثر من نصف قرن من الزمن على هذه المجازر ما زال أصحاب التشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان والشفافية يصمتون أو ينكرون هذه المجازر، وما زال الحزب الشيوعي ممنوعا في أندونيسا، ويتم حتى الآن اعتقال أي شخص يلمح بتعاطفه مع اليسار ولو تلميحا، وما زال ينظر إلى الشيوعيين الذين قتلوا على أنهم وحوش يستحقون الموت، وإلى القتلة باعتبارهم أبطالا… مرحى أيتها الديمقراطية الغربية!
ملاحظة: الرجاء من الأصدقاء أن يركزوا على الحدث والمضمون الذي أتناوله وألا يحاولوا تجيير الأمر لمواقفهم السياسية أيا كانت، لأنهم بذلك لا يدعمون موقفهم بقدر ما يصرفون النظر عن إدانة قوى الظلام!