اسطورة يونانية

اسطورة يونانية

أورفيوس يبحث عن زوجته في الجحيم

نموذج أعددته شعرا في إطار محاضرة مبسطة عن الأدب اليوناني للشباب الديمقراطي وقد قدم الترجمة الحرفية مشكورا آنذاك صديق الوالد الكاتب سعد غالي

خطرَتْ تميسُ على الورودْ

وبينَ أهدابِ الغصونْ

شقراءُ فاتنةُ المحيا

دلُّها يُسبي العيونْ

كانت تسيرُ بخطوِها نحوَ الغديرْ

بعد إيقاظِ النهارْ

وبزندِها الورديِّ تصحو سلةُ الأثمارْ

نامتْ بها الأزهارْ

 السوسنُ العطريُّ يغفو فوقَ خدِّ الجلنارْ

وتتَبَّعَ الحسناءَ ثُعبانٌ الخطرْ

…ما إنْ دنَتْ من ضفَّةِ الينبوعِ وارتسمَ القمرْ

في صفحةِ الماءِ النميرْ

حتى سرى في جسمِها السمُّ الغزيرْ

واختفى الثعبانُ بالعشبِ استترْ

وأحاطَ جفنَي (أفروذيكي) الموتُ وانحسرَ القمرْ

عن صفحةِ الماءِ النميرْ

 

حتى الطبيعةُ شاركتْ أورفيسَ أحزاناً أليمةْ

حينَ ماجتْ في السحَرْ

كالنورِ ألحانٌ كليمةْ

تشتكي مَن في السماءْ

 

الزوجُ تاهَ بخاطرٍ تَعِبٍ وحيدا

بينَ غاباتٍ عِظامْ

قد أقسمَ المسكينُ أن يبقى شريدا

باحثا عن أفروذيكي بين أنيابِ الظلامْ

 

أورفيوس يبتدئُ الغناءْ

ألماً وحزنا

قيثارةٌ حُبلى تكادُ من الأسى تذوي وتفنى

عجيبٌ أمرُ أوتاري وألحاني

تزيدُ لهيبُ أشواقي

وتروي كلَّ ظمآنِ

فيأتي السبعُ مُبتسِماً

كحمْلٍ وادعٍ حاني

يدغدغُ طبيةً ميساءَ حالمةً

 بأنغامي وأشجاني

وتغدو الحيةُ الرقطاءُ عاشقةً كولهانِ

ويهمسُ أرنبٌ فضيّْ

 كالإشعاعِ نوراني

بأذنِ الذئبِ نشوانا

تعالَ إليَّ عانِقني ونمْ في وسْطِ أحضاني

عجيبٌ أمرُ أوتاري وألحاني

أنامتْ كلَّ سهرانٍ ولم تأبَهْ لأجفاني

أورفيسُ يمضي في الطريقْ

تنينُ رعبِ الدربِ أمسى كالصديقْ

وتبرَّدَتْ أنفاسُهُ من حزنِهِ

أمسى يبثُّ الريحَ عِطراً ناعساً بعدَ الحريقْ

واجتاز أورفيوسُ الوفيّ

مستنقعاً تكسوهُ أثوابُ الضبابْ

حتى المياهُ الراكدةْ

بدأتْ تموجْ

وجرَتْ ينابيعٌ كبيرةْ

من شِفا ثغرِ السرابْ

خارونُ لم يأخذْ من الولهانِ أجرَ الانتقالْ

فاللحنُ أسمى أن يُقارنَ فيهِ مالْ

والكلبُ كيروبروس كفَّ عن النباح

أحنى الروْوس لعزفِ أروفي بارتياحُ

قببُ الجحيمِ مخيفةٌ قببُ الجحيمْ

لكنَّها لم تُثنِ أورفيسَ أن يمضي

فنارُ القلبِ أقسى من لظى قببِ الجحيمْ

وأتتهُ أشباحُ المنونْ

كالحلمِ مُغمضةَ الجفونْ

وتمايلت سكرى تُغني في فتونْ

هذي العرائسُ مُكفهِرةْ

تعلو مُحياهنَّ صُفرةْ

قد قُدِّمَ القربانُ في ثوبِ العفافْ

قُدمت يومَ الزفافْ

وأتتهُ آلهةُ العذابْ

شعورُهُنَّ من الأفاعي كالحِرابِ

لكنَّ ألحاناً عِذابْ

غيَّرتْ شكلَ الإلهْ

فالشعرُ أمسى كالحريرِ بهٍ انسيابْ

 

وصَلَ المُغني العاشقُ الولهانُ بابَ الآلهةْ

والأعينُ الزرقاءُ تبدو مُولَهةْ

قد جرَّحتْها بالبُكا كفُّ البُعاد

بلوتون…

بلوتونُ هل تسمعْ ندائي

يا إلهَ الموتِ لا تُخجِلْ رجائي

كيفَ الحياةُ وأفروذيكي عندكم تبقى أسيرةْ

نورُ الحياةِ ونبعُ حبي أفروذيكي

بعدَها الأيامُ حِيرةْ

سوفَ أقضيها مريرةْ

يا برسيفوني جئتُ من أرضٍ بعيدةْ

واجتزتُ زلاتِ المُحالْ

يا برسيفوني ليسَ ما أشدو قصيدةْ

رُدِّدَتْ بينَ الجِبالْ

بل إنَّما حمَّلتُ عيني

طيفَ أيامٍ سعيدةْ

فاستحالَ الدمعُ جمراً ثمَّ سالْ

بلوتونُ لم يقدرْ على حبسِ الدموعْ

حتى التَظَتْ في القلبِ نيرانٌ بدتْ بينَ الضُلوعْ

قد كانَ يهوى فانحنى للحبِّ يبكي في خشوعْ

يا بيرسيفوني أهدِهِ ما شاء

 لا بدَّ من دربِ الرجوعْ

لكنْ حذارِ فإنْ تلفَّتَ ستخسرْ

ذاكَ عهدٌ بيننا بل أنتَ مُجبرْ

أورفيسُ خلفَكَ أفروذيكي سوف تمشي

لكنَّما طيفاً ستبقى ليسَ يُنظرْ

لكنها من بعد هذا الدرب حتما مثلما كانت ستظهر

لكنْ حذارِ فإنْ تلفَّتَّ ستخسرْ

وتعودُ الروحُ أدراجاً إلينا حينَ تُؤمرْ

سِرْ أمامَ الروحِ لكنْ…إنْ تلفَّتَّ ستخسرْ

 

سارا معا دربَ الضبابْ

لم يبقَ إلا بضعُ خطواتٍ وبابْ

 

شرعَ المولَّهُ بالغنا والحبُّ طابْ

أفروذيكي… مشَّطْتُ شعرَ الشمسِ مراتٍ بأوتارِ الهوى

في كلِّ صبحِ

أفروذيكي قد سرتُ آلافَ الدروبِ ودونما نعلٍ إليكِ

أمشي على نزفي وجُرحيْ

أفروذيكي عانقيني آنَ وستكس التلاقي

مدَّ الذراعين ولكنْ…

آه ضاعتْ أفروذيكي

آهِ ضاعَ العمرُ ضاعْ

 

بلوتونُ يا ربَّ الجحيمِ البربريِّ المستبدّْ

هفوةٌ حمقاءُ من ناري ووجدي

كيفَ ما أهديتَ…مني تستردّْ

أفروذيكي هاكِ آلافُ الحواجزِ بيننا عادتْ تُسدّْ

ومضتْ تؤوبُ الروحُ تبكي في نحيبْ

آن الوداعُ وآنَ ترحالُ الحبيبْ

أورفيسُ لا تحزنْ فما بالقلبِ ريبْ

لم تخُني أنتَ في الخفّاقِ طِيبْ

لكنَّما شوقٌ بروحينا تَنادى

إذ أنتَ قد كنتَ المجيبْ!

  • أروفيوس أو أورفوس، و أورفي شاعر وموسيقى اسطوري لدغ ثعبان زوجته فقتلها… فمضى نحو عالم الأموات يستعطف بلوتون ليستردها من أهل الجحيم بموسيقاه وأشعاره حيث يعتبر رمزا للإبداع الساحر.
  • أفروذيكي أو يوريديس زوجة أرفيوس
  • خارون نوتي الجحيم كان ينقل الأموات إلى العالم السفلي لقاء أجر.
  • كروبروس كلب أسطوري له ثلاثة رؤوس كان يحرس بوابة الجحيم
  • ربات الذعر والانتقام ثلاث أخوات ولدن من دم ساتورن كانت إحداهن تقوم بحراسة برج العذاب وتقوم اختاها بضرب الهالكين بسياط من أفاع ومشاعل
  • بلوتون شقيق الإله جوبيتر الذي ولاه مملكة الظلام
  • بيرسفون بنت آلهة الخصب اختطفها بلوتون وتزوجها وأصبحت معه ملكة لعالم الجحيم

ستيكس نهر عظيم يدور حول الجحيم سبع مرات كانت الآلهة تحلف به أعظم أيمانها