ميكي ماوس وحده يفوق مبدعه شهرة

waltsteamboatdrawing300dpi

بقلم: أيمن أبو الشعر

ما من ريب في أن والت ديزني هو واحد من أشهر المبدعين السينمائيين في القرن العشرين ، وبخصائص تجعله اسما متميزا ربما لقرون عديدة حيث يعتبر المحور الديناميكي الخلاق في عالم الرسوم المتحركة رغم أنه لم يكن السنونو الأول في ربيع هذه الصناعة . فقد بدأت فنون أفلام كارتون خطواتها المتواضعة الأولى في بلجيكا عام 1831 وحبت على حياء في أمريكا بعد أكثر من سبعين عاما بدايات القرن العشرين إلى أن وصلت إلى هوليود في العشرينات ، ولعب والت ديزني دورا محوريا في تطوير هذا الفن الذي عشقه منذ طفولته وأعطاه روحه وحياته ومر بظروف عصيبة قاسية وفقر وعوز في البدايات حيث كان أول أجر يتلقاه دولارين وحسب، ولكنه بات من أثرياء العالم المعدودين، وبانتشار فني قل مثيله .

والت ديزني كان معجبا جدا بشارلي شابلن واستفاد من إبداعات ملك الكوميديا الساخر الأول في العالم، ثم كرس توجهاته الفنية التي تجاوز فيها من سبقوه في هذا المجال . وما يهمنا هنا هو أن والت ديزني أبدع شخصية فاقته شهرة ومازالت من الشخصيات الأولى في عالم الرسوم المتحركة وهي شخصية ميكي ماوس التي فاقت بشهرتها أيضا شخصيات كارتونية عديدة أبدعها ديزني نفسه كأبطال لأفلامه الكارتونية المتحركة حتى تلك التي مازج فيها بين الرسوم والمؤثرات والحيل السينمائية الأخرى من كلاب وقطط وخنازير وبط ..

لم يخترع ديزني شخصية ميكي ماوس تماما بقدر ما استنبطها من حالات حقيقية في حياته المباشرة وحياة الناس بمعنى أن ميكي ماوس الأول كان كائنا حقيقيا واقعيا ، ويورد الباحث أحمد كامل مرسي في دراسة شيقة عن والت ديزني نشرتها مجلة (المجلة) قبل أربعين عاما جوانب من سيرة حياته يلفت النظر فيها بما يناسب السياق الذي نعتمده هو أنه حين حول مرآب السيارات إلى استوديو متواضع لأعماله كان يظهر له فأر شجاع وذكي متوقد العينين في ذاك المرآب، وقد أنس الفأر لديزني حتى بات لا يخافه وكثيرا ما كان يرافقه سهراته ويعبث بأقلامه وأدواته ويلعب بها، وكان والت ديزني مرتاحا لهذا الصديق غير العادي يتابعه بشغف ويتأمل تصرفاته وحركاته باهتمام..

ويبدو أن الاعتماد على المفارقة لإثارة الضحك كان محورا رئيسيا لدى الشعوب منذ القدم حيث يورد المرجع السابق أن إحدى الرسوم الفرعونية على أحد الجدران كانت تمثل فأرا يجلس على العرش بعنجهية وفوقية ويوجه أوامره لقط مغلوب على أمره بالقرب منه .

وليس صدفة أن يقال لا يمكن لأحد في عالم أفلام كارتون أن يتجاوز بشهرته والت ديزني سوى ميكي ماوس ، وقد استخدمت ميكي ماوس في إحدى مقالاتي السابقة في تشرين حول العولمة عبر حادثة بالغة الدلالة في أن طفلا دخل على أمه مندهشا وهو يقول : لقد رأيت في المطبخ فأرا لا يشبه ميكي ماوس..!! . وبغض النظر عن التقييمات الأيديولوجية لفحوى أفلام ميكي ماوس التي لا تخلو أحيانا من اعتماد العنف والمقالب الماكرة للإضحاك والابتعاد عن الطيبة أحيانا أخرى إلا أن والت ديزني اعتمد أيضا على حياة الناس ومفارقاتها وخاصة أجواء الطفولة ، فاستقى منها الكثير حين كان في المراحل الأولى يطوف الشوارع ويلتقط الصور للأطفال وهم يلعبون ويمرحون ويعبثون ويبيعها لآبائهم كلقطات نادرة مكرسا في الوقت ذاته بذاكرته مفارقات مرحهم ومكر شقاواتهم ومقالبهم.

الجانب الآخر المثير أيضا هو أن بعض المعطيات تؤكد أن الإنسان القديم حتى زمن الكهوف كان مولعا بالمحاكاة ، ووجه ذكاءه الفطري البدائي للعب بالظلال من خلال النيران وانعاكاساتها على جدران الكهوف باستخدام يديه وأدواته البدائية لتنعكس ظلالها على الجدران، وقد تطور هذا المنحى وتجسد في القرون القريبة منا عبر صندوق الدنيا وحركات الدمى والعرائس ومن ثم كاراكوز وعواظ وغيرها مما يطلق عليه فن خيال الظل.

من هنا فإن أفلام كارتون كانت تعتمد بالفعل الكارتون وتلاحق حركة الصور فيه يدويا ثم آليا لتبث فيها الحياة قبل أن تظهر السينما والأستوديوهات للأفلام الصامتة ومن ثم الناطقة والملونة حيث تمت إعادة إنتاج تلك الأفلام القديمة بألق تقني جديد.

بقي أن أشير أخيرا إلى أن والت ديزني أنتج الكثير من الأفلام الوثائقية والتوجيهية وحتى الروائية، وحول كثيرا من الحكايا والأقاصيص إلى أفلام متميزة مبدعة وخاصة تلك الحكايا الطفولية الخرافية والخيالية ذات الدلالات المتعددة ومن أشهرها الأميرة والأقزام السبعة وساندريلا وأليس في بلاد العجائب وغيرها كثير جدا.