بقلم: أيمن أبو الشعر
أتاني وعيد الأدعياء وأنهم…………………أعدوا لي السودان في كفر عاقب
هذا البيت للشاعر العربي الكبير المتنبي يكشف فيه محاولة كافور الإخشيدي اغتياله في منطقة الجولان حيث كفر عاقب شرقي طبريا ..
ولكن الإشارة إلى الانتماء العربي للجولان تبدو أقدم من ذلك بكثير فهذا الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني يقول
بكى حارث الجولان من فقد ربه………………وحوران منه موحش متضائل
والحقيقة أن هناك معطيات دامغة حتى منذ ما قبل عهد الإسكندر الأكبر إلى الأصول العربية والآرامية للجولان وحسب المسعودي فإن القبائل العربية كانت تستهوي مراعي الجولان وأن قبيلة داسم من العرب البائدة اتخذت من الجولان مقرا لها، أي حتى منذ زمن العرب البائدة .!!
قصدت أن تكون المقدمة إيحائية لا أكثر تاركا للقارئ استشراف ما عداها لأركز على ما أود الحديث عنه اليوم . فالجولان ليس مجرد عشق ومشاعر انتماء وإصرار على استعادة هذا الجزء الحبيب من الوطن إلى سوريا الأم ، بل هو واقع وتاريخ وجغرافيا وكيان أثير حميم إلى القلب يمثل جانبا ثرا من حضارة سوريا والمنطقة، وبما هو كذلك وإضافة إلى هذه المشاعر الجميلة النبيلة كان لا بد من عمل نوعي علمي موضوعي شامل يتناول الجولان من جميع جوانبه للتسلح بهذه المعطيات بغية إظهار الحقيقة التي تستند إلى أدلة دامغة وحجج منطقية تصلح للرد على افتراءات الأعداء ومخططاتهم الاستيطانية تجاه الجولان، عمل هو مرافعة الحقيقة في محكمة الزمن تجاه الخصم المزود بالزيف والمدعوم بالعماء الذي تتصنعه القوى الغاشمة.
ومن أغنى ما قرأت في الآونة الأخيرة في مجال الدراسات التاريخية السياسية الشمولية مؤلف لمجموعة من الباحثين عن الجولان السوري صدر عن مركز الشرق للدراسات .وتطرقي لهذا المؤلف لا يدخل في إطار المراجعة أو التعريف فهو مؤلف ضخم متنوع شامل يحتاج إلى العديد العديد من المقالات التعريفية والدراسات المتخصصة لإبراز أهميته ومناقشة أبحاثه أو حتى طرح آراء معمقة إضافية أو مغايرة إن كانت تخدم الجوهر، وهو يتمثل عنوانه بحق (المرجع في الجولان)،ويشكل إضافة جدية للمراجع التي كتبت في هذا المجال لكني أتحدث عنه استئناسا ورغبة في أن ألفت نظر القارئ العربي عموما والسياسيين والباحثين والإعلاميين خصوصا إلى هذا العمل الذي أعتقد أن لاغنى لأي باحث أو مثقف أو وطني عنه. وسيكون مفيدا تناول جوانب أخرى من معطيات هذا المؤلف الهام في مقالات أخرى سأكون سعيدا إن سبقني إلى ذلك زملاء آخرون .
وأول ما يلفت النظر هو الأسلوب العملي المستند إلى البراهين والاستدلال المقنع والمناقشة الموضوعية وتقديم كم هائل وشمولي من المعلومات ، لا التناول العمومي العابر، بل تأتي الشمولية من تخصص أبحاثه وتنوعها وإيرادها حتى التفاصيل الدقيقة أحيانا عن الجولان تاريخيا وجغرافيا وحتى جيولوجيا، وكذلك اجتماعيا واقتصاديا ناهيك عن الآثار والفولكلور، ومن ثم سياسيا ولوجا في الإشكالات المرافقة والناشئة عن احتلال الجولان وتشعباتها في التاريخ المعاصر والمحافل الدولية للوصول إلى هدف ضمني جليل وهو دحض دعاوى المغرضين وافتراءات المزيفين وأطروحات الطامعين في محاولاتهم لطمس الهوية السورية للجولان.
والمثير في أسلوب هذا المؤلف الأكاديمي أنه لا يدخل في صخب الشعارات بقدر ما يقدم معطيات تعبر عن نفسها بسطوع كاشفا البواعث الرئيسية التي دفعت بالصهاينة حتى قبل نشوء إسرائيل الغاصب ومخططاتهم قبل بدء أحداثه الدراماتيكية للاستيلاء عليه مما يؤكد أن إسرائيل كانت تفتعل عن قصد مجمل الأحداث والصدامات وحتى الحروب بما يتعلق بالجولان حتى أن مينتياهو بليد أحد القادة العسكريين الإسرائيليين يعترف بوضوح بهذه الحقيقة مقرا بأن جميع حوادث الاشتباكات على الجبهة السورية الإسرائيلية جاءت بمبادرة من إسرائيل (صفحة 551 من هذا المرجع) ومن أهم هذه البواعث المياه والاستيطان الأمر الذي بدا جليا في تناول هذا المؤلف منذ صفحته الأولى في مقدمة الدكتور سمير التقي له حيث يورد ما قاله بن غوريون منذ عام 1919 : إن الحل العادل يجب أن يشمل مصادر المياه(الليطاني والجولان وإقليم حوران)
وتتنامى بعض الأسئلة في نفوسنا استنباطا فحسب معطيات هذا المرجع- يتلاشى قسم كبير من المياه الهاطلة عن طريق التبخر، ولكن ما يتبقى كثير يذهب جله هدرا أو نحو نهر الأردن، وقد قامت إسرائيل بمشاريع عديدة ومتنوعة زراعية وحيوانية وخاصة في المجال المائي وبناء السدود وتطوير البنية التحتية لتعميق وتسهيل عمليات الاستيطان وبناء المستعمرات الجديدة حتى أن إسرائيل تجني من بيع بعض أنواع الزهور الجولانية ما بين 500 إلى 600 مليون دولار في السنة ناهيك عن إنشاء أكبر مبقرة في الشرق الأوسط في منطقة الجولان..!!
المناخ والتضاريس والتربة متماثلة أو متقاربة جدا بين الجزء الذي تحتله إسرائيل وبقية أجزاء الجولان وما حوله في سوريا ولبنان..وإذا أردنا الاختصار لما هو جلي المضمون دون كلام مفصل لطرحنا هذه الأسئلة الموجه ليس فقط إلى المسؤولين بل إلى ما يسمى بالرأسمال الوطني: هل ..؟ وأليس..؟ ولماذا..؟ ثم ألا..؟ وأخيرا متى..؟؟