شجرة الميلاد واحتفالات رأس السنة

16140125

بقلم: أيمن أبو الشعر

ترتبط الاحتفالات برأس السنة الميلادية بعادات وتقاليد وطقوس متنوعة المشارب موغلة في القدم وبعضها منبثق في بداياته عن الأساطير والمعطيات المثيولوجية وخاصة في تفاعل الإنسان مع العالم المحيط وسعيه الدائم لإيجاد موازين وجسور لفهم هذا العالم والتعايش مع ظروفه ومظاهره المؤثرة بشكل مباشر على حياته الاقتصادية والاجتماعية ، وتتبدى لدى مختلف الشعوب في نتاجات وعطاءات إبداعية ثرة ، فالطقوس تجدد في وعي الإنسان ظروف تكونها عبر تكرار حيثياتها الأولى أي أنها تصل الغابر بالآني المستمر باعتبار أن الطقوس – حسب الباحث المبدع فراس سواح- تجعل النشاطات الخلاقة للزمن البدئي فاعلة في الزمن الجاري.

فمن ظلالها الأسطورية البديعة الاحتفال بعودة تموز من العالم السفلي إلى الأرض لدى السومريين بملامح درامية متصاعدة تعكس في الواقع ارتباط المعرفة وتفسيراتها بالتغييرات المباشرة في الطبيعة التي تتجدد بحيوية مع فصل الصيف . ويحتفل الزاراداشتيون برأس السنة في اليوم الأخير من مايو أيار حيث يبدأ موسم البذار وتدب الحياة والدفء في أعماق التربة، وهو باقة أعياد تعتبر أيضا جسرا للخلاص من الأمراض وسوء الطالع وتغدو منصة للسعي نحو النقاء، وتستمر الاحتفالات بهذه المناسبات قرابة أسبوعين، وما زالت جوانب مقاربة من هذه الطقوس تمارس شعبيا في مناطق من إيران وبلاد الرافدين حيث تحولت إلى طابع فولكلوري شعبي بعد ظهور الإسلام.، وفي المرحلة الرومانية القديمة كانت احتفالات رأس السنة تجسيدا لاحترام الإله بانوس ذي الوجهين الذي ينظر بواحد منهما إلى الماضي وبالآخر نحو المستقبل، ورغم ظهور المسيحية فإن قسما من هذه الطقوس الوثنية استمر بتنويعات متباينة كعادات وفولكلور لدى بعض الشعوب الأوربية .

أما طابع الاحتفالات التي ما نزال نجد ملامحها حتى اليوم بعيد الميلاد واستخدام الشجرة رمزا له وبرأس السنة الميلادية فيعود في الواقع إلى بدايات القرن السادس عشر . وهناك تباين في الآراء حول اعتماد توقيت زمني محدد في الرابع والعشرين من كانون أول – ديسمبر باعتباره اليوم الذي ولد فيه السيد المسيح حيث تشير بعض المعطيات إلى أن أول شجرة استخدمت بهذه المناسبة وزينت احتفاليا كانت في ضواحي مدينة إلزاس في فرنسا عام 1500 ، فيما ترى الموسوعة العربية – نت أن هذه التقاليد في أوربا ذات جذور ألمانية حتى قبل ظهور المسيحية باعتبار أن الشجرة كانت تقدس كرمز للحياة والخصوبة نتيجة خضرتها الدائمة ، ودخل هذا التقليد إلى بريطانيا أواسط القرن التاسع عشر.

وتربط بعض الآراء والمعطيات اعتماد هذا التاريخ بالإنقلاب الشمسي حيث يبدأ النهار يطول منذ الخامس والعشرين من كانون الثاني كبداية لانتصار الشمس وتجدد حياتها . وترجح بعض المراجع أن تكون ولادة السيد المسيح في شهر أب أو إيلول حيث الدفء ونمو الرطب – البلح – وهناك إشارة في القرآن الكريم إلى أن هذه الولادة تمت في موسم البلح (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) ( سورة مريم ) .

من جهة ثانية اختلفت مواعيد الاحتفالات برأس السنة الميلادية نتيجة خطأ حسابي حيث اكتشف العلماء في القرن السادس عشر أن حساب طول اليوم لم يكن دقيقا قبل ذلك وبالتالي كان التقويم الميلادي متأخرا عشرة أيام أضافوها فظهرت مفارقة ما يسمى بالتقويمين الشرقي والغربي والتي تصل حاليا إلى ثلاثة عشر يوما . ومن الطريف لغويا أن الشائع إضافة كلمة جديد لرأس السنة لتمميزه ونتيجة وجود هذين التقويمين يقال في الرابع عشر من يناير كانون الثاني – الاحتفال برأس السنة الجديد القديم- ومن الطريف أيضا أن بعض الشعوب كانت تربط شجرة الميلاد في السقف رأسا على عقب لتسهل على الأطفال تناول ما علق عليها من الفواكه التي كانت الزينة الرئيسية ثم تحولت إلى الألعاب والزينات الأخرى في القرن التاسع عشر في سنوات انتشار المجاعات على الأرجح ، أما قطع الزجاج التي تعلق عليها فهي ترمز إلى النجوم التي تعكس تألق الحياة ببريقها وحلول الموت بخفوتها.

ويرافق احتفالات الميلاد ورأس السنة أقاصيص وحكايا بالغة الجمال والدلالة بطيبتها ونزعتها الإنسانية الحنونة من خلال أبطال خياليين يبعثون الدفء والسكينة في القلوب وتظهر بتجليات مختلفة ومضمون متقارب تماما كبابا نويل وسانت كلاوز وسانت نيقولاوس و جد الصقيع في روسيا الذي ترافقه فتاة الثلج في عربة مزينة خيالية ملونة ترمز إلى الزوبعة .. المثير في هذه الأبطال أنها تسعى دائما لرسم البسمة على وجوه الأطفال بهداياها ومرحها المحبب .

نشير أخيرا إلى أن المنظرين الأيديولجيين في المرحلة السوفييتية الأولى نفروا من بابا نويل واعتبروه صنيعة للرأسمالية انطلاقا من اعتباره مشجعا على الاتكالية وحل الإشكالات عن طريق الغيبيات والخرافات، ثم بدأ الاحتفال برأس السنة والميلاد بشكل رسمي شعبي منذ عام 1937 وزينت لهذا الغرض شجرة ضخمة في قاعة الأعمدة الكبرى في موسكو، وتترافق هذه الاحتفالات اليوم بزخم ثقافي وفني هائل وتكرس أطول عطلة في تاريخ روسيا من خلال مواصلة الاحتفالات منذ الثالث والعشرين من كانون أول وحتى الخامس عشر من كانون ثاني انطلاقا من مفهوم سائد يقول أن العطلة بين عطلتين عطلة .