المتصهينون الدخلاء على المسيحية

المتصهينون الدخلاء على المسيحية

usa-israel1

بقلم : أيمن أبو الشعر

أتابع منذ حين ظاهرة تنامت إلى حد كبير في الاونة الأخيرة حتى باتت من أحد المجسات الفكرية الرئيسية للحوارات والجدل مقالات وكتبا ودراسات وندوات، بما في ذلك عبر الفضائيات المختلفة وشبكة الانترنيت حول ما يسمى اصطلاحا بالمسيحية الصهيونية . ومن البديهي أن هذه الأجواء تستند إلى خلفيات متنوعة البواعث تستدعي التوقف عندها مليا وجديا، وهو ما سأتناوله قريبا في مقالة منفصلة موسعة نسبيا في إحدى المجلات المتخصصة .

واود هنا أن اتوقف عند أمرين الأول المصطلح نفسه باعتباره مصطلحا حساسا وغير موضوعي يهدف- ضمنا – إلى عولمة ثقافة الحرب كمعطى قدري من منظور الموروث الديني بعد تشويهه بالتفاسير، والثاني هو ضرورة تناول العمق الحقيقي المتواري خلف الأطروحات التلفيقية الغيبية، أي التوجه نحو فضح عناصرها الجوهرية.

واللافت للنظر أن الحديث عن ما يسمى بالمسيحية الصهيونية يتم في معظم الأحيان وفق ردود فعل غاضبة – انفعالية في معظم الأحيان –تدفع بشكل او بآخر إلى التعميم النسبي وهو ما تريده هذه الحركة أساسا، والمسيحية براء من الصهيونية بل وعلى طرف نقيض منها. وكتعريف سريع موجز نشير إلى أن هذه الحركة ظهرت بوادرها بالاتكاء على ما يسمى بالألفية منذ القرن الأول للميلاد ، واعتمدت لاحقا في القرنين السادس والسابع عشرعلى مؤلف مارتن لوثر (المسيح ولد يهوديا) حيث أغدق المديح على اليهود ورفع من شأنهم في حومة ثورته على سيطرة الكنيسة مما أرهص لتنامي المذهب البروتستانتي (الاحتجاجي). ومن المهم أيضا أن نؤكد هنا أن هذه الحركة المغرضة لا تستغرق البروتستانتيين أبدا كما يسعى البعض لتصوير الأمر على هذه الشاكلة، فالقسم الأكبر منهم يرفض بقوة وحسم ترهات هذه الدعاوى والأطروحات الماكرة التي تدعو إلى ضرورة مساعدة اليهود في تكريس فلسطين كوطن ديني قومي لهم، واعتبرت هذه العودة مؤشرا يسهل ظهور المسيح المنقذ ليحكم بعد ذلك ألف عام ومن هنا جاءت تسمية الألفية. ومع مطلع القرن العشرين ساهمت مساهمة كبرى حتى في تكريس هذه الفكرة بالذات لدى الصهيونية العالمية الوليدة حتى أن بعض المعطيات تشير إلى أن هرتزل كان مستعدا للموافقة على وطن قومي في أماكن أخرى بما في ذلك في أوغندا أو كندا أو الارجنتين .

نعود إلى الجوهر وهو أن هذه الحركة الموجودة فعلا باتت على لسان الجميع ، وخاصة في الشرق الأوسط لمواجهة مخاطرها وهذا أمر طبيعي وضروري، لكن الذي حدث هو أن الحديث بات يجري عن هذه الحركة وكأن الصراع هو صراع ديني بحت يتطور على أساس معطيات دينية، وبالتالي يحتاج إلى مواجهة دينية، مما يعني تصوير حركة التاريخ كحركة قدرية لا دور للإنسان في مسارها، بل عليه المساعدة في استعجال تنفيذ نبوءاتها . واعتقد أن الخطورة تكمن هنا بالذات إذ يجب فضح هذه الحركة الخطيرة العنصرية بكل قوة ، بل ولكي يتم فضحها بكل قوة لا بد من كشف جوهرها الحقيقي وما يقبع وراء تعميم وتوسيع هذه الأطروحات، وأن لانقع في حبائلها فهي في الواقع تجسيد عملي – مبطن بنبوءات دينية محرفة- لتوجه سياسي نفعي ينطلق من ان الإدارة الأمريكية انتهجت خطا واضحا للسيطرة على اقتصاد العالم ، الأمر الذي يتوافق مع النهج الإسرائيلي وخاصة تكريس أحلامها التوسعية. هذا هو الجوهر الحقيقي الذي تحاول هذه الحركة تغليفه بظلال دينية لتبرير الممارسات اللاأخلاقية واللاإنسانية بل وحتى منطق القتل والإبادة، وهكذا فعل الأوربيون – لدى اكتشاف أمريكا واحتلالها، وكذلك لدى الهيمنة الاستيطانية على جنوب أفريقيا حيث ترافقت ممارسات الإبادة والسيطرة على الأراضي أيضا بتفسيرات مقاربة حول الأرض الموعودة سواء في أمريكا أو جنوب أفريقيا. وساهمت النشاطات الأمريكية البريطانية في القرن العشرين في إقناع بعض آباء الكنيسة لتوسيع النشاطات في الشرق الأوسط بالاعتماد على اليهود في مواجهة الشيوعية ، ناهيك عن إعداد الرأي العام لما يسمى بمعركة نهاية العالم والتي سنتناولها لاحقا.

نصل إلى مسألة المصطلح، حيث رفض مجلس الكنائس الشرقية في القدس هذه التوجهات وعمد إلى فضحها بقوة واعتبرها حركة سياسية ودسيسة وتشويها للمسيحية ،ومما له دلالته الكبيرة في هذا السياق أيضا ما كتبه الأب د. عطا الله حنا الذي شدد على رفض تسمية هذه الجماعة بالمسيحية الصهيونية انطلاقا من عدم موضوعية المصطلح بطرفيه المتناقضين تماما، فالمسيحية رسالة سلام ومحبة وانعتاق من الخطيئة والغرور في حين أن الصهيونية حركة عنصرية حاقدة هدامة محرفة لتعاليم الكتاب المقدس وتكره كل من هو ليس يهوديا.. ويضيف : أن هذه الجماعات المتصهينة تدعي المسيحية زورا وبهتانا وأوجدت بهدف تسخير المسيحية وتزوير وتحريف تعاليمها بما يتناسب والمشروع الصهيوني . ولنتذكر كيف أثار مصطلح الإرهاب الإسلامي امتعاضا مشروعا لدى المسلمين ، والمصطلحان واقعيا يمكن أن يكونا نوعا من التمهيد السيكولوجي للتبشير بصراع الحضارات، وبناء على هذا الوجيز أتقدم بكل تواضع وإحساس بالمسؤولية باقتراح لاعتماد مصطلح أعتقد انه أكثر موضوعية ومصداقية قياسا بالجوهر، وهو (المتصهينون الدخلاء على المسيحية) بديلا عن المسيحية الصهيونية، ومصطلح (الإرهابيون الدخلاء على الإسلام) بديلا عن الإرهاب الإسلامي لأن الإسلام براء من الإرهاب والإرهابيين .

ومما يثير الريبة بالفعل أن العديد من هذه المنظمات والمؤسسات تسمي نفسها ببساطة ووضوح المسيحية الصهيونية ، وتعلن أن المهمة الرئيسية هي مساندة دولة إسرائيل وحتى تبرير جميع ممارساتها، ألا يعني ذلك بشكل غير مباشر – أو مباشر – محاولة مد هذا المصطلح بمدلوله في تكامل طرفيه ليرسم صورة تلاحم وتآخ شامل بين النقيضين أو السعي لجعله كذلك على المدى البعيد أي بين المسيحية والصهيونية في محاولة لتكريس التمترس في اتجاهين متناحرين لتخمير أرضية صراع الحضارات بدل حوارها – وخاصة الحوار والتعايش بين المسلمين والمسيحيين -، بل ويهم نشطاء هذا التيار أن تظهر جماعات إسلامية يتم استنفار مشاعرها قصدا بهدف أن تصدق هذه الأكاذيب والافتراءات على المسيحية أو ان يتأثر آخرون بهذه الدعوات والنبوءات فيغيب عنهم الهدف السياسي، وقد كثف البابا شنودة خطل هذه الدعاوى بقوله إن اليهود احتلوا فلسطين بوعد من بلفور لا من الله . وللبحث صلة..!