بقلم: أيمن أبو الشعر
عصفورٌ عندَ جدارِ الرعبِ على
مرأى أحداقِ العالمِ
حاصَرَهُ التـنّـينْ
محكومٌ بالإعدامِ لأنَّ الأرياشَ الزُغْبَ
تُخَمِّرُ ذاكرةَ الليمونِ
ولا تـَـنـْسى بَصَماتِ الطينْ
محكومٌ بالإعدامِ على مَـرأى أحداقِ العالمِ
ما شدّوا خلفَ الظَهرِ وِثاقاً في الكـَـفـّينِ
وما عَصَبوا العَينينْ
عصفورٌ يَهوي مِنْ عِـشِّ الأحلامِ صغيراً
والقلبُ صغيرْ
ما كـَبُرَ جناحاهُ وَما عَرفا طـَعْماً لأثيرْ
يلـتصِقُ كـَرَجفَةِ مَحْمومٍ بِجَناحِ الطـَيـرْ
وَالطيرُ يَهشُ أزيزَ جَرادِ النارِ يَعاسيبَ
اللدغِ الرعديدةَ تَصْـطـَـكُّ بـِـوَخْزِ
جـِدارِ الموتِ كأسنانِ أَكـَلـَـةِ لُحومِ البشرِ
وَلَمْ يَظْهَرْ في الأفقِ مُجيرْ
عُصْفورٌ يَـتـَـشَـبـَّثُ بـِضُـلوعِ أبيهْ
يَـتـَكـَـوَّرُ كالـْـعـُـنْـقـودِ بِـدفءِ الإبْـطِ وَيوغِـلُ فيهْ
ما حلـَّـقَ يَـوماً بـَـعْـدُ وَلـَمْ يُدرِكْ أنَّ الفَوْهاتِ
تُـشـَـبـّـِكُ قَـفَصَ جَحيمٍ بِخُيوطِ صَفيرْ
ما حَلـَّـقَ يَوماً بَعْـدُ وَأصداءُ الطَلَقاتْ
تـُجبـِرُهُ أنْ يُغـْـمِضَ عَينيهْ
ظلَّ حَبيساً بَيْنَ الوَمْضِ وَبينَ الرَعـْـشِ
كـَحـُـلـْمِ أسيرْ
ما ارتدَّ وَحينَ انهـدَّ الجَسَدُ على عُـنـْـقِ الشارعِ
بدأَ يَطيرْ
عـُصفورٌ فوقَ رصيفِ الوقتِ المرِّ انساحَ السرُّ
وَليسَ يَمُرُّ
تُحاصِرُهُ أشْـداقُ أفاعٍ تـَنـْـفـُثُ ناراً ثـمَّ تـَفُحُّ
دُخاناً حَـلقاتٍ حَـلقاتْ
عُصفورٌ يَتـْـبَعُهُ الصيّادونَ الهَمَجيونَ
وَتـَرصُـدُهُ العـَدَساتْ
لِتـُعاوِدَ مَـشْـهَـدَ قـَتـْـلِ الطُهرِ على مائِدَةِ الأخبارِ
كـَلـَسْعِ العَـقرَبِ في الليلةِ
مَـرّاتٍ مَـرّاتْ
وَالمُخرِجُ يَهتـفُ في شاشاتِ المُدُنِ الكـُبرى
كـَمْ هـذا الفيـلمُ مُثيرْ
بَعضٌ يأسى
بَعْضٌ يَصرَخُ
بَعْضٌ لا يَتَجرأُ أنْ يَغْضَبَ حتى هَمْساْ
بَعْضٌ لا يَـتـَذكـَّرُ حتى يَـنـسىْ
وَعلى خَـلفـيّةِ هذا الذبّحِ العاهـِرِ
أَشرِعةٌ تـُوغِلُ في الفـَخذينِ بـِحُضنِ سَريرْ
والجرذانُ تـُجيدُ القَضْمَ تـَفـُتُّ العَظْمَ
بِكـَهْفِ مَسامِعِ أَهْـلِ الأرضِ صَريراً
وَالأصْـداءُ شَخيرْ
لو داوودُ الشادي بُعثَ اليومَ لـَتـَرْجَمَ
بَوحَ أنينِ الطيرِ
بِعَـشَراتِ مَزاميرْ
عَنْ فِئرانٍ تـَشوي أسْـراباً كان يسامِرُها
بِظلالِ غـَـديـرْ
لو بُعِـثَ سُـليمان الحاكيْ بِلسانِ الطـَـيرْ
لتبرأَ مِنْ غَدرِ الجرذانِ وقانونِ الجنزيرْ
لو داوودٌ بُـعـِثَ اليومَ لبالَ على نـَجْـمَـتِهِ الكـُبرى
قَـرَفاً لِيـَـلـُفَ العَـلـَمَ
على عَورَةِ خِنزيرْ
العُصفورُ الوادِعُ يَتـَقـَمَّصُ طِفلاً يَركـَبُ
دَرّاجَتـَهُ وَيمضيْ
في أحضانِ البيّاراتْ
يَتـَسلـَّـقُ أشجارَ حِكاياتِ الجَدَّةِ ثـُمَّ يَشدُّ
ضَفاِئَرها في أغصانِ الفـَرْحِ أراجيحَ الضَحِكاتْ
وَالصِبيَـةُ ما زالتْ تَدلـُفُ كيْ تـَلـْـقاهُ
مُضيئاً في الحاراتْ
والأمُّ الثكلى سوفَ تـُرَتـِّبُ مَرقَـَدَهُ كلَّ مَساءْ
وتـَصُـبُ لـَهُ صَحْنَ حساءٍ كلَّ عشاءْ
وَتـَلـُمُ دَفاِترَهُ ثُــمَّ تـُبَعثِرُها كـَيفَ يَشاءْ
لـَمْ يَكـْـتـُبْ بَعْدُ وَظيفـَتـَهُ ..
فـَكيفَ تـُصَـدِّقُ أنْ قـدْ ماتْ
وَبـِحُضنِ وِسادَتِهِ تـَصرُخُ في صَمْتٍ دَمعاتْ
ما ماتَ مُحَمَّدُ ما ماتْ
يا رَعْـشَةَ قـَـلبيْ يا وَجْـهَ مُحَمَّدْ
الآنَ تـَخافـُكَ أخْـتامٌ صُكـَّـتْ بـِاسـْمِ جِراحِكَ بـِاسـْمِ
الحلمِ.. وَتـَخشاكَ عُروشْ
وَغَداً سَـتـُوَجَهُ ضِدَّ جُموحِكَ آلاتُ القَهرِ الرَحِميِّ
وَتـَصْطَفُّ جُيوشْ
كـَيْ لا يَخْـدُشَ مَرأى ذَبْحِكَ موسيقا الجازِ
وَلا يُـفـْـسِدَ في المأدُبَةِ شَهيةَ أضيافِ الوالي
طابورُ نُعوشْ
يا رَعْشَةَ قلبيْ يا وَجْهَ مُحَمـَّدْ
قَبـْـلَ الِقـمَّـةِ لابدَّ مِنَ الجَبَلِ
وَقَبـْـلَ الشمْعِ الهاديْ لا بُـدَّ مِنَ الـْعَسَلِ
وَقـْبلَ وِلادَةِ طِـْـفلٍ لابدَّ مِنَ الحَـبَلِ
وَهذا الحَمْـلُ الكاذِبُ في بَطْـنِ الشاةِ تَفَسُّخُ
أرصِدَةٍ لا بوقُ نـَفيرْ
مَعْـروقٌ مَسحوقٌ مَحْروقٌ بَينَ الـُبَسطاءِ
وَكالـُبسَطاءِ شَهيٌّ .. ِبالـْوَجْدِ أميرْ
يُشْعِلـُكَ المِذياعُ وَيُطْــِفــُئكَ الأتباعُ وأنتَ المُلـْـتاعُ
الـسَّقاءُ الفاديْ أنتَ الحاديْ
حينَ تـُصَــِدّقُ كاهِـنـَةَ الواديْ
تُـشْـرى وَتـُباعُ
وأنتَ الأنـْـقى في النـَّعشِ شـَهيدُ العِشْـقِ
وَلِلنـَعْـشِ مَساميرْ
أنتَ الإرهابيُّ لأنـَّـكَ تُعـْـِلنُ أنَّ جِراحَـكَ ساخِنـَةٌ
أوْ أنَّ رِياحَكَ داخِـنـَةٌ بـِشِواءِ زُنودِكَ وسْطَ سَعيرْ
في كـَفـِكَ أحجارٌ شَجـَّتْ رأسَ الليلِ وَعِنـْـدَ ذويكَ
جَحافِلُ بارودٍ تـَتـَمَسَّحُ بالطاعونِ وَعُهرِ الليلْ
الآنَ كـَشَفـْتَ السِرَّ بأنَّ نـُجومَ الـُّرتـَبِ
شُـُموخاً فَوقَ نـَياشينِ الخُطـَبِ
تَؤؤلُ كـَسُورِ الملـْحِ وَطيئاً يَهويْ
يَهويْ بِسيولِ هَديرْ
إنَّ الـِقـمَّةَ للجَبَلِ الشامِخِ تـَغْـتـَسِلُ بِغـَـيْمِ الفـَجرِ
وِللهاوِيَةِ شَفيرْ
وَلِماذا يَبـْـقى النـَّصْـلُ الرسميُّ الحاميْ دَرَكيـّاً
يَذْبَحُني حينَ يَشاءُ وَيُطلِـقـُني مِنْ قـُمقـُمِ بُركاني
عِفريتاً حينَ يَشاءُ ..
وَماذا يَعنيني نَصْـلُ أحباءٍ مُمتـَدٌ كالحَرباءِ ..
صُقـُورٌ تـَرتـَعُ في الجَوزاءِ ..جَحافِلُ فولاذٍ تـَرقـُصُ
في الصحراءِ .. تُحاورُ أشباحَ الأصداءِ هديلاً
وَمآثِرُها مَحْضُ خُواءِ
تَموءُ بأقدامِ الأعداءِ
وَتلعَقُ نَعلاً لِلغرباءِ
وَتَجْرَحُ قلبي يَومَ عَزائيْ
وَتـُواجِهني بالأنيابِ وَرَعـْـدِ زَئيرْ
الآنَ أُرصِّعُ في التابوتِ نـُبوةَ شَعبيْ
أنَّ السيفَ شَهيٌّ في كـَفِّ شَهيٍّ وَحَـقيرٌ في كـَفِّ حَقيرْ
يا رَعْـشَةَ قلبي يا وَجْهَ مُحَـَّمدْ
يا صَبْـوَةَ دَربي حينَ الوقتُ تـَجَمـَّـدْ
الآنَ وَأنْتَ مُسَجَّى كالأُسْطورَةِ تَسْطـَعُ في ذاكِرَةِ
المَجـْـدِ تـُجَسِّـدُ أسرابَ الأطفالِ الـْـرَسَموا
بـِدِماهُمْ نافِذةَ الفَجـْرِ لِشَمْسِ التـَحريرْ
الآنَ وَأنتَ مُسَجَّى تَحْمِلـُكَ طُيورُ الحُلـْـمِ
إلى التـَحليقِ الأشهىْ
والنـَّعـْشُ حَريرْ
يا رَعْـشَةَ قلبيْ يا وَجْهَ مُحَمَّـدْ
مُذْ صِرتَ دَريئـَةَ صَـيّادٍ عَـربَـدْ
كُنـْتَ ضَميرَ العالـَمِ والتاريخُ ضَـريرْ
حَدَّقتَ بـِقلبِ الإنسانِ وَحينَ سَقَطتَّ على
عُنـُقِ الشارعِ أضحى العالمُ كلُ العالمِ
دونَ ضَميرْ