كان فارس وهو في الخامسة من عمره صاحب خيال وقّاد دائما، اصطحبته والدته مع أخته لشراء بعض الأغراض ، في الطريق كان ينظر دائما إلى الخلف ويتحدث مع ظلالهم وأمه تنهره لتأخره إذ لا بد من الاستعجال في ظروف الحرب الطاحنة حيث تكون الشوارع خطرة ويجب الإسراع في العودة إلى البيت الأقل خطرا على الأقل… وكان فارس ينزعج كلما مرَّ إنسان فوق ظل أحد منهم، بل كان يتعمد ان يعيق المارة لكيلا يدوسوا على ظلالهم لأنه يعتقد أنها في الحقيقة أرواحهم، وكان يقول لأمه كم أرواحنا لطيفة وخفيفة، وهي تقصر وتطول، وتتحول من اليسار إلى اليمين وبالعكس لتمازحنا، فتضحك أمه وتقول له هذه ظلال يا فارس وهي لا تفارق أصحابها أبدا… فجأة انفجرت قذيفة بالقرب منهم… لم يعد فارس يشعر بشيء سوى أنه ممدد على الأرض … ورأى أن الظلال بدأت تغادرهم وتصعد رويدا رويدا من أجسادهم… أراد أن يقول لأمه أنظري تقولين أن الظلال تبقى مع أصحابها دائما…ها هي تغادرنا… إلا أنه لم يستطع فتح فمه، وشعر بنعاس شديد، واستغرب لماذا ينام بلا مخدة وبلا غطاء… ورأى أن أمه وأخته كانتا تغطان في نوم عميق أيضا بلا مخدة ولا غطاء… تنبه إلى أن الجو حار لا يحتاج إلى غطاء فابتسم… وما زالت الابتسامة على شفتيه حتى الآن…