من وحي سرابيون
سرابيون قرية وادعة وارفة الوفاء قرب بانياس
فيها صدق الإحساس وأطايب الناس… وهذه القصيدة مستوحاة من قصة واقعية في هذه القرية التي تبدو من شاطئ البحر فوق الهضبة القريبة منه وكأنها حلمة نهد تشمخ بكبرياء…
دعيني نازف الجرح
أعيش العمر في السفح
وأشرب حلم ماضينا
ووهما كان يحيينا
دعيني أجرع الذكرى
شرابا كأسه جرحي
حملت حقائبي أمشي على رمشي
على قلب كعصفور
يرف بلحظة الذبح
وفي الميناء ذكرانا بقايا دم
وأخيلة تلاحقني
وأصداء من الماضي
تغيب تلوح صورتنا
تنوس تشع أحيانا
فيقفز من فؤادي ألف أغنية
وأقفز فوق ركل الشط جذرنا
وأعدو مثل جفل هزه الفرح
هنا قد كان لقيانا
وما زالت حكايانا
أمامي مثل مهر جامح تعدو
فأعدو خلفها أشدو (مواويلا وميجانا)
ويسبقني إليك النبض والقلب
يمشط دمعتي الهدب
فأسقط فوق إعيائي
ويمحو خطو أقدامي
إليك الركل والدرب
فيغرق وجهي العرق
ويعكس لهفتي الشفق
ويغمرني ضباب الحلم والأرق
ترى لا بد نفترق
وكاد المع يغرقني
ولكن كنت أحترق
…
هنا أبحرت نحو مرافئ النسيان
فوق سفائن الضجر
تركت بقرية الأحلام طفلا من أمانينا
ونصف رغيف
تعفن وجهه القمري كالمسلول ليلة صيف
وغصنا من حصاد الريح
ما أبقت بوادينا سيوف المحل
سنين القحط كالجلاد لم ترحم
فكيف الخبز يكفينا
وجفت في حناجرنا أغانينا
ونزف الجوع في حلقي يفجر حلم ماضينا
وكل مشاتل الدخان عبتها سجائر ذلك المارد
يمر القحط مختالا يقشر حقلنا المتعب
مساط الظهر يا حقلي بريح القحط
ودود الأرض يأكل بعضه مرغم
سنين القحط لم ترحم
…
رحلت وحبنا دمعة
رحلت وموعدي شمعة
تطوف بموكب الإعصار سرا لغزه مبهم
حزمت حقائب السفر
حجابا من دموع الأهل تاريخا لقريتنا
وأذكر يوم فرقتنا
أنين النور مثل ثغاء
نحيب الآه في الأحشاء
وأنت بشاطئ الآلام بنلوبي بلا مغزل 1
يسير الزورق الحوتي يبلعني
وقلبي مثل قط الدار يلثم ثوبك المهمل
كأني بعد لم أرحل
وصوت الرب يصعقني
يبخرني
يقطرني مع المطر
وأنظر مثل معتوه إلى الأفق
يغوص البحر في الأفق
يغوص الأفق في الحفر
ويعلو الموج يلطمني
وكف الريح تصفعني
تصب الرعب في أذني
هنا في القرية السمراء نبت الحب
لا ينمو مع المطر
ولكن يرفع الأعناق نحو الغيم
نحو لقاء
كلحن رائع يعلو
ولكن جذره الترنيم في الوتر
أدر للشط وجه شراعك المحموم
فدرب الوهم ليس البحر
وموج الغيم مثل القاع
كم فيها من السفن
هناك الحب فوق الشط
مثل الله يرعانا
ولولا الحب ما سميت إنسانا
فأسقط مرة أخرى
ألم الشوق والذكرى
لأصنع حبل مرساتي
وأ{بط قلبي المجنون أقذفه بآهاتي
إلى عينيك ياقمري
وأحمل في يدي معول
وقربي كيسي المهمل
بذاري فيه والمنجل
يجدف نحوك النبض
تشد الريح أشرعتي
ويرميني إليك الحب والأرض
فأنت… أنت الحب والأرض