صندوق الدنيا

صندوق الدنيا

 

صندوقُ الدنيا يا أطفالْ

… يا أطفالْ

هذا صندوقُ الأبطالْ

هذا الصندوقُ المسحورْ

يحوي أشياءَ غريبةْ

لم تعرفْها الجنيّاتْ

انظرْ من هذي الفوهاتْ

سأريكَ السلطانَ الأبلهْ

وأريكَ كلاباً تتألهْ

وإلهاً كانَ جنيناً ماتْ

عندي أفعى تتلوَّنْ

وأريكَ الحاضرَ والماضي

وأريكَ عوالمَ لم تتكوَّنْ

سأقصُّ حكاياتِ القرصانْ

ولسانٍ يجلِدُهُ السجّانْ

صندوقُ الفرجَةِ بالمجّانْ

ثمنُ الرؤيةِ وعدُ أمانْ

لا تُخبِرْ عنّي السلطانْ

هيّا اقتربوا

بعدَ دقائقْ

تبدو في الصندوقِ حقائقْ

***

حكِّمْ نظرَكْ

وامسِكْ حذَرَكْ

ها قد عُدْنا نحوَ الماضي

كان يا ما كان

هذا الممسوخُ المنسيّ

يُدعى عنترةَ العبسي

قد كانَ يُهرِجُ للسلطانْ

كي يلعقَ أطباقَ الأعوانْ

… كم كانَ يخافُ مِنَ الأطفالْ

لكنَّ التاريخَ المأجورْ

قد سجَّلَهُ بينَ الأبطالْ

حكِّم نظرَكْ وامسِكْ حذَرَكْ

هذا التاريخُ الأحمقْ

يشربُ من حبرِ السلطانْ

وافهمْ أشياءً أُخرى

فالصورةُ في كلِّ الأزمانْ

ولربَّ حمارٍ صارَ حصانْ

انظرْ من هذي الفوهةْ

وتأمَّلْ هذي الرُدْهَةْ

هذا قصرٌ في بغدادْ

لا في الكوفةْ

أو في مكةْ

بل في عمّانْ

لا أدري في أيِّ مكانْ

لكنّي واثقْ

هذا قصرٌ للسلطانْ

من هذا المصلوبُ المُهمَلْ؟

الطيرُ تحوِّمُ قُدّامَهْ

والأمُّ تُقبِّلُ أقدامَهْ

آهٍ … آهْ

ابنُ زبيرٍ عبدُ اللهْ 1

لمّا يترجَّلْ بَعدْ

حتى هذي الساعةْ

مصلوبٌ فوقَ المِعوَلْ

ما هذا؟

وشمٌ فوقَ الكتفِ اليُسرى

رسمٌ يُشبِهُ شُعلةْ

تحتَ الشعلةِ جمرَةْ

تأخذُ شكلَ المِنجلْ

… لكأنّي أعرفُ هذا الفارسْ

بل أدري أينَ مكانُ الصَلبْ

لكنّي أخشى الحارسْ

لو أنَّ رفيقاً يصحَبُني في الدربْ

من يحمِلُ هذا الوشمْ

لا يعرفُ معنى الموتْ

لكنْ مصلوبٌ فقدَ الصوتْ

خاطوا شَفتيهِ بحبلِ الصمتْ

ماذا يفعلْ

لو كانَ معي مِنجلْ

لو أنَّ رجالاً منكم تقبَلْ

أن تفعلَ شيئا… أن تعمَلْ

لكنْ ما مِن أحدٍ يَقبَلْ

…حسناً فلنتركْ هذي الصورةْ

ولنَقْنَعْ أنَّ الفارسَ ماتْ

فالصورةُ مِن صِنعِ الفنانْ

والفنانْ

أعني السلطانْ

دوماً يختارُ الألوانْ كالنعمان 2

قد يرسمُ جدولْ

ويُسميهِ الطوفانْ

أو يرسمُ حقلَ جماجمْ

ويسمي اللوحةَ … (أزهارُ البستانْ)

أما نحنُ المسطولينْ

 فنصدِّقُ ما قالَ الفنانْ

ننسى معنى الرسمِ ونُدهَشُ بالألوانْ

كم كانتْ صادقةَ العنوانْ

تلكَ اللوحةْ

إذ كانتْ ترسمُ طفلاً يأكُلُهُ رجلانْ

عنوانُ اللوحةِ (الإنسانْ)

حكِّمْ نظرَكْ وامسِكْ حذرَكْ

هذي أرضُ الواق الواقْ

لكنِّ العصرَ غريبْ

يُدعى العصرُ العملاقْ

بين الفينةِ والفينةْ

تلقى في الأجواءِ بُراقْ

وكأنّي أعرفُ كلَّ الناسْ

هذا النهرُ الدفاّقْ

في وادي النيلْ

أو في الشامْ

لكن الغابةَ حول النهرِ تشابه أرضَ المغرِبْ

قل أرضَ عراقْ

لا تهتموا بالأسماءْ

فالصندوقُ المسحورْ

يعطيكَ رموزاً للأشياءْ

فاكشفْ أينَ الداءْ؟

احبِس نفسَكْ

وامسِكْ حذرَكْ

واجعلْ صوتَكَ همسَكْ

هذا عصرُ الذبحْ

في كلِّ جبينٍ تلقى جرحْ

هذا عصرٌ فيهِ تُراقْ

دماءُ الصدقِ مع الأخلاقْ

عصرٌ فيه يروجُ المكرْ

عصرٌ فيهِ يباعُ الفكرْ

أرخصَ شيءٍ في الأسواقْ

فهواءُ الناسِ مِن الأفيونْ

ورغيفُ الذلِّ طعامُ الحُرْ

الأعراضُ تُقدَّمُ زُلفى

الشارعُ مَنفى

والمنزلُ منفى

والمصنعُ منفى

والأقبيةُ سجونْ

هذا عصرُ جنونْ

مهلاً ولنقرأ هذا الإعلان

(فكِّرْ …دبِّرْ…واسرحْ… وامرحْ… واكذِبْ تربحْ …

وامكُرْ … واجرحْ… واقتلْ … واقبرْ…)

هذا إعلانُ حضارةْ

حسناً

فلنتركْ هذا الإعلانْ

 ولندخُلْ قصرَ السلطانْ

عجباً كلُّ الموجودينَ بهذي القاعةِ فوقَ العرشْ

لا تبحثْ أيهمُ السلطانْ

إذ توجَدُ عشراتُ التيجانْ

ها قد عقدوا أمراً ما

يبدو أنَّ الأمرَ خطيرْ

قد يُسمَعُ صوتُ نفيرْ

آهٍ… قطَعَ الصندوقُ الإرسالْ

(أحياناً يخشى الصندوقُ الأطفالْ)

لا تحتجّوا…

ها قد صلُحَ الأمرْ

إذ يبدو أن الصورةَ كانتْ سِرّْ

ما هذا؟

جرحى….

موتى…

عرباتٌ تحملُ خوذاتٍ ونِعالْ

أكياسَ طحينٍ للأطفالْ

ودموعٌ تذرِفُها الآمالْ

حدِّقْ نظَرَكْ

تبدو سكينٌ في ظهرِ المارِدْ

ودمٌ حارْ

ودمٌ باردْ

في الأمرِ خداعْ

لو أدري من فيهم خانْ

لو أدري مَن فيهم خانْ

فلأخفضْ صوتي

فجزاءُ الصادقِ قطعُ لسانْ

والتاريخْ

مع السلطانْ

والسلطانُ لهُ أعوانْ

والأعوانُ لهم جيرانْ

والجيرانُ لهم جدرانْ

والجدرانْ… لها آذانْ

لا… لا… لن أخفِضَ صوتي بعد الآنْ

فأنا أدري يا صندوقَ الفرجةْ

أن الحقَّ الدامي حبلٌ يُلوى حولَ العُنقْ

وبأنَّ مصيري الشنقْ

يا أطفالْ في جعبةِ صندوقي مخزنْ

فيها رشاشٌ وقنابلْ

وأنا ماضٍ لأقاتلْ

فخُذوا الصندوقْ

هذي الفوهاتُ مشاعلْ

تحتَ الفوهاتِ مشاتلْ

والدورُ عليكم بعدي للأجيالْ

يا أطفالْ

أقسى رسمٍ في صندوقِ الفرجَةْ

جسدي يتأرجحُ وسطَ المرجةْ 3

  • عبد الله بن الزبير- وهو ابن أسماء بنت أبي بكر الصديق ، دافع عن عثمان بن عفان ورفض مبايعة يزيد بن معاوية قاد الحجاج حملة ضده وحاصر مكة إلى أن تخاذل عنه الجميع فقطع الحجاج رأسه وصلب جسده، وفيه قيل بعد أن طال صلب جسده: ( أما آن لهذا الفارس أن يترجل)
  • النعمان – النعمان بن المنذر من أشهر ملوك المناذرة كان لديه يوم بؤس من جاء إليه فيه قتله، ويوم سعد من جاء إليه فيه أكرمه وأغدق عليه.
  • المرجة ساحة وسط دمشق تجري فيها عمليات الإعدام