مختارات من أشعار يسينين عن الطبيعة

مختارات من أشعار يسينين عن الطبيعة

المساء الربيعي

———-

يتدفقُ بهدوءٍ نهرٌ فضيّْ

في مملكةِ الربيعِ الأخضرِ المسائية

وتغربُ الشمسُ خلفَ الجبالِ المليئةِ بالأشجار

ويسبحُ قرنُ القمرِ الذهبيْ

 

تحوَّل الغربُ إلى شريطٍ ذهبيْ

وعادَ المحراثُ من الحقولِ إلى الكوخْ

وغالباً خلفَ الطريقِ في أجمةِ البتولا

يُطيلُ العندليبُ شدوَ أغنيةِ الحبْ.

 

يستمِعُ بحنانٍ إلى الأغاني العميقةْ

ويمتدُّ الفجرُ من الغربِ، شريطاً وردياً.

وتنظر الأرضُ إلى النجومِ البعيدةْ

وتبتسمُ برقةٍ للسماءْ.

 

تسريحة خضراء

——

تسريحةٌ خضراءْ

نهدٌ أنثَويْ

يَتُها النحيلةْ

يا بتولا

لِمَ في القناةِ تُحدقينْ

ماذا توَشوِشَكِ الرياحْ

والرملُ في هذا الرنينْ؟

أم تحلمينْ؟

في أن يغلَّ إلى الجدائلْ

مشطُ القمرْ

بوحي بِسركِ يا بتولا

واكشفي عن سِرِّكِ الخشبي ليْ

أحببتُ آهاتِ الحفيفْ

إذ لفَّهُ حزنُ الخريفْ

وتُجيبني تلكَ البتولا

يا صَديقي يا فُضولي

اليومَ في الليلِ المرصَّعِ بالنجومْ

عندي هنا راعٍ بكى

والبدرُ قد فرشَ الظِلالْ

فتلألأتْ قربي الحشائشْ

قد ضمَّ ساقي العاريةْ

مُتنهداً في حرقةٍ مُتوارية

وهناكَ تحتَ رنينِ أغصاني همَسْ

آنَ الوداعُ حمامتي

فإلى الغرانيقِ الجديدة *

  • المقصود حين تأتي الغرانيق “الطيور المهاجرة” من جديد – والمقصود بحمامتي الشجرة ذاتها

 

البتولا

—–

شجرةُ بتولا بيضاءْ

تحتَ نافِذتي

غطّاها الثلجُ تماماً كالفِضةْ

فوقَ الأغصانِ المنفوشةِ مثل فِراءْ

حدٌّ ثلجيّْ

الفراشي أورَقتْ هامشاً أبيضْ

في الصمتِ الوسنانْ

تحترقُ رقائقُ ثلجيةْ

وسطَ النيرانِ الذهبيةْ

ويطوفُ حواليك الفجرُ بكسلٍ

ويرشُّ الفروعَ بفضةٍ جديدةْ

 

الحرج الذهبي استنفد قوله

——-

الحرجُ الذهبيُّ استنفدَ قولَهْ

بلسانِ بتولا

مرحاً ينسابْ

وعصافيرُ الجردِ تهادتْ حزنا

لن تأسى على أحدٍ من بعدْ

وعلى من يأسى العصفورْ

والكلُّ بعالَمِنا جوّالْ

يأتي يعبرُ، والمرَّةُ تِلوَ المَرَّةْ

يتركُ بيتَهْ

قصبٌ يحلمُ بالماضي كلِّ الماضي

وبِصُحبتهِ البدرُ الرحبُ أطلَّ على الماءْ

من فوقِ قناةٍ زرقاءْ

وأنا وحدي وسطَ الحقلِ العاري

وعصافير تنئيها عنّي بعيداً ريحٌ هوجاءْ

وأنا مُفعم

بِهمومِ شبابي اللاهي

لكني لا أأسى على شيءٍ قد فاتْ

وعلى سنواتٍ قد هُدِرتْ وهماً وهباءْ

يُحزنني أنَّ اللونَ المُتهادي

في الروحِ يظلُّ رمادي

فثمارُ الريبينِ الحمراءِ تلَّظتْ

كالموقدِ في البستانِ اتقدا

لكنْ هيهاتَ لها أن تُدفِئ أحدا

فعناقيدُ الريبينِ وإن زادت ألقا

لن تَحترِقا

بالصُفرةِ لن تَفنى الأعشابْ

بهدوءٍ مثل الشجرةْ

إذ ترمي عنها الأوراقْ

أرمي كلماتي المحزونةَ عبرَ الآفاقْ

فلئنْ يتأرجحُ وسط الريحْ

هذا الزمنُ ويُكوِّمها مهملةً حولَْه

لا بأسَ فقولوا

الحرجُ الذهبيُّ بعذبِ الصوتِ استنفدَ قولَهْ.