الحالم

خَطَرتْ كأنَّ العِطرَ خُلِّقَ كائناً مُتمازِجاً بالضوءِ فاحَ ظِلالا
لحنٌ تَمَوْسَقَ ناهداً أبراجُهُ كالمُستحيلِ تكوَّرَتْ إطلالا
وغمامةٌ قزحيةٌ برذاذِها فيها ارتشافاً جُمِّعتْ أوصالا
علَّقتُ في شَطَلِ النجومِ رداءَها وإزارُها في الأفقِ يخفقُ شالا
شفافةٌ وتلفَّعتْ بنُسيمةٍ شفّافةٍ وتدفَّقتْ شلالا
مدَّتْ إليَّ براحتينِ تفرَّعتْ بِهما الشموعُ لهيبُها قد سالا
قلَّمتُ إظفرَها الحنونَ مُداعِباً ورميتُه نحوَ السماءِ هِلالا
فرنَتْ إليَّ بوجهها اسطورةً لولا كمالُ اللهِ قلتُ كمالا
أسندتُ ظهري نحوَ جذعٍ ماردٍ فسرى بيَ اليخضورُ جنَّ غِلالا
دفعَتْ بجذعِ السنديانِ تُميلُهُ فأطاعَ ساعِدَها النحيلَ ومالا
ثمَّ انثنتْ فوقي فغطّى شعرُها وجهي عبيقاً مُطبِقا عِرزالا
وبدا بريقُ النجمتينِ محاوِراً ألقَ الجفونِ تناعساً ودَلالا
متجمدٌ حضني الزمانُ أضمُّهُ متمددٌ في حضنِهِ تِمثالا
لمسَتْ شِفاهي فاعترتْني رعشةٌ كالبدءِ روحاً أحيتِ الصَلصالا
وبدا اللهاثُ رفيفَ أجنحةٍ حبيسٍ طيرُها وحضورُها ترحالا
مازجْتُها فتمازجَتْ وسألتُ عن بعضي بها فأتى الجوابُ سؤالا
أخشى فراقَ الحلمِ فهو حقيقةٌ للمُدنفِ المحرومِ جنَّ وِصالا
وعلى وسائِدِهِ الضفائرُ كلُّها حملَتْ أراجيحَ اللقاءِ حِبالا
أحلى النساء قطوفُها بكرومِهِ إن شئتَ عنقوداً وُهِبتَ سِلالا
ما عزَّتِ امرأةٌ وإنْ لم تلقَها إلّا وحطَّتْ في الوسادِ رِحالا
لكنَّها الأشهى بِحُلمي دائماً طيفاً يُوزِّعُ للجمالِ جَمالا
فإذا تحلَّقتِ الصبايا حولَها عقداً بهيّاً رائعاً قتّالا
لتفرَّدتْ في وسْطِهنَّ قلادةً وتشابهتْ أترابُها سلسالا
لتكادُ تختصرُ النساءَ بِحُسنِها وبِحُبِها لأكادُ أختصرُ الرِجالا
ملكُ الرؤى طاعتْ لهُ أحلامُهُ مُتوحِداً فيما يشاءُ مَجالا
أومتْ فماهيتُ البحارَ فراشةً وحبَسْتُ بينَ أصابعي الأميالا
حرَّمتَ قتْلَ النفسِ-ظلماً- عادلاً وتركتَ مقتولَ الجمالِ حَلالا
فإذا بيَ الملكوتُ حلَّ مُبارِكاً نُعمى لذرةِ حُسنِها مِثقالا
يا وقتُ كُنْ زهراً فكانَ جمعتُهُ وشبكتُهُ في شعرِها مَوّالا
نهذي ونبتكرُ اللغاتِ طلاسماً فُصحى برعشتِنا تؤولُ مِثالا
أحلى وأبلغُ ما يُقالُ تنهدٌ لغواً نُحِسُّ ولا نبينُ مَقالا
قطَّرتُ شدْوَ الطيرِ قرطاً ناغياً وسكبتُ مِن ضحكاتِها خِلخالا
فإذا الصدى عبْرَ المروجِ عباءةٌ فوقَ السنابِلِ جرجَرَتْ أذيالا
خصري لفارسةِ التألِّقِ صهوةٌ لولا التعرقُ لاكتوتْ إشعالا
جسدٌ حليبُ الضوءِ في أردافِهِ يتخاطرُ الكبريتُ فيهِ جلالا
تنهَدُّ إغفاءً وتغفو صحوةً والحلمُ يحضنُ صحوَهُ إيغالا
حتى إذا جنَّ التضيُّقُ هاصِراً في كهفِها غصنَ الهوى عَسَّالا
صرختْ وأحنتْ رأسَها كشهيدةٍ زحلٌ يشعُّ بهالةٍ أطفالا