غداً تدرينَ ما وَجعي
وأنَّ توَجسي حذِراً من الأحلامِ
أن أكبو وأن تقَعي
غداً وأعضُّ عرّافاً على شفَتي
أهزُّ الرأسَ لا جدوى
فكَم هزَّتْ فراشاتٌ رفيفَ الموتِ
في الإحراقْ
وما زالتْ ترى في لهبةِ النيرانِ
نافذةً إلى الآفاقْ
أيا قهراً بغيرِ رجاءْ
غداً تدرينَ ما وَجعي
تدفَّقَ نزفُنا عمقاً بقلبينا
لو أنَّ الجرحَ مكشوفٌ لأشفتْ نزفَهُ الأدواءْ
ولكنّا كتمْنا سِرَّ ثورتِنا
وكابرْنا
فصارَ النزفُ مكبوتاً وتوّاقاً
لطعنةِ فُرقَةٍ تُنجي احتقانَ النبضِ
من عُنفِ انفجارِ الدمِّ آلينا ارتضاءَ النصلِ
وارتحْنا لمنظرِ حُبِّنا المذبوحِ في يدِنا
مسحْنا الحدَّ إمعاناً لفرقَتِنا بثوبَينا
كجزارينِ ما عُدْنا يؤرِّقُنا مسيلُ دماءْ
غداً تدرينَ ما وَجَعي
كِلانا كانَ بَحارّا
وما خطأٌ تلاقينا
ولكنْ جُرْمُنا أنّا جَعَلنا الحُبَّ أسواراً مُحاصِرةً
وأحجاراً مُشكِّكةً وشيّدنا بِها الميناءْ
شُغِلنا في انبهارِ الخَلْقِ والتشييدِ – عمر
الخلقِ والتشييدِ-لم نصدأْ
وحينَ تكوَّن المرفأْ
وظلَّ حجارةً مرفأْ
وحينَ منارةُ الإيماضِ ما عادتْ تُسلينا
أماتتْ دهشةَ الأضواءْ
كنظرةِ طفلةٍ بلهاءْ
وحينَ سريرُ رعْشَتِنا غدا قبراً
كئيباً باردَ الجدرانْ
تذكَّرْنا بأنّا لم نزَل أحياءْ
وصارَ الوهجُ في عينيَّ في عينيكِ
أشرعةً تُغادِرُنا بكلِّ مساءْ
بعيداً عن وسادَتِنا
إلى الإبحارِ والأنواءْ
تجمَّلَ حلمُ أنْ ننأى
كتمثالينِ قضيّنا ليالينا
تُساقينا مواجِعَنا بصمتٍ ثُمَّ نَسقيها
ونلتفتُ
عيونُكِ في عُيوني أومَضَتْ فجأةْ
عرفْنا كلَّ ما فيها
كِلانا يَملِكُ الجرأةْ
ولم نُمهِل تحديّنا
وحطَّمنا غصونَ النبضِ أعشاشاً
بنيناها بِهُدبَينا
ذَبحنا ثروةَ الألحانِ أوتاراً
مدَدْناها شرايينا
نَسينا أننا فرعانِ في جذعٍ يبثُّ دماءَهُ فينا
لنُخصِبَ في غدٍ ثمَرَهْ
مَضينا لم نُعر أذناً لصوتِ توسُّلِ اليخضورِ
شطرناهُ إلى نصفينْ
قتلنا الجذعَ والشجرةْ
ركضْنا مثلَ سباقينِ محمومينْ
وكلٌّ جرَّ زورَقَهُ كتابوتينْ
وتتبَعُنا كأطفالٍ أغانينا
تشدُّ رفيفَ ثوبينا
فنخلعُهُ
وننطلقُ إلى الأمواهِ عريانين
وأذكرُ أنَّ أغنيةً مَشَتْ مِن لهفةٍ في الموجِ
كادت تُمسِكُ الحبلينْ
ضَربناها بمجدافٍ من الضوضاءْ
تركناها كعصفورٍ بُعيدَ الذبحِ فوقَ الماءْ
مزيجاً من دمٍ وبكاءْ
تُحشرِجُ حرقةً ونداءْ
هُنا العشقُ
هنا الأفقُ
وآخرُ ما سمعناهُ صراخٌ من قرارِ البُعدِ
غطَّى حائطَ الأرجاءْ
فأغمضْنا محاجِرنا
وأخفينا مسامِعَنا ووجيهنا بأذرُعِنا
عرفنا حينها ألماً
بأنَّ رحيقَ ماضينا تَفجَّرَ دُفعَةً أشلاءْ
فموجُ البحرِ قد أخفى شراعَينا
وحينَ تَخثرت في سمعِنا الأصداءْ
وما عُدنا نرى في الأفقِ غيرَ الماءْ
وغابَ رنينُ صوتينا
شعرْنا أنَّنا غُرباءْ
زمانٌ مرَّ لا أدري
تُرى يومين أمْ عُمري
تُلحُّ عليَّ صورتُها فتورِقُ أحرفي شِعرا
وأمحوها وتمحوني فتنبعُ أسطري حِبرا
وألمحُها بِرغْمِ مسافةِ الآفاقِ تلمَحُني
كأنْ ما بيننا بَحْرا
أخادِعُ غفوةَ الحلْمِ
وأغفو مرةً أُخرى
لأنساها وتَنساني
فيصبحُ بيننا النسيانُ ذكرى
وأنزفُها وتنزِفُني
فيصبِحُ بيننا الشريانُ جِسرا
…
بلى قد آنَ أنْ نقنعْ
بأنَّ فراقَنا وجعٌ ولكن باتَ لُقيانا
إذا ما ضَمَّنا أوجعْ
فعبرَ مدائنِ الترحالِ ضيَّعنا ملامِحَنا
يحتُّ الملحُ يومياً هويَّتنا
ويمحو أحرفَ الأوصافِ
يمسحُ لونَ صورَتِنا
وتلكَ الصفحةُ البيضاءْ
علَتْها أسطرٌ شوهاءْ
وغطَّتها تواقيعُ العشياتِ
وأختامُ المحطاتِ
وقصةُ رحلةٍ حمقاءْ
على الآفاقِ عينانا
وقلبانا على الميناءْ
يحتُّ الملحُ يومياً هَويَتَنا
فإنْ صارعتِ أو صارعتُ فرقَتَنا
وعدْنا نحوَ شطِّ الحُبِّ مقهورينِ
ماذا نُخبرُ الميناءْ
وأغنيةً لمجدِ الشمسِ والفقراءْ
تركناها بِحُضْنِ البردِ نازفةً بغيرِ غطاءْ
وما نَصنعْ غداةَ لقاءْ
يُطالِبُنا بِما عِشناهُ مِن أخطاءْ
وماذا في المسا نَحكي
إذا ما العشقُ لم يعرفْ ملامِحَنا
وساءَلنا هويَّتَنا
فألفاها بِلا أسماءْ