تلاقَينا…
وكمْ مِن قَبْلُ يا حُبي
تنادَينا
وتوقٌ في انعكاسِ الضوءِ فوقَ الدمعِ
ممتدٌ كجسرٍ بينَ عينينا
وكنّا في مُحالِ الوصلِ يُبعِدُ بيننا مِترانْ
بقُربي أنتِ يا حُبي
وقضبانٌ تبُاعِدنا ويفصِلُنا هُنا قَفصانْ
حديدٌ مِن ضلوعِ الخوفِ مسكوبٌ
وأقفالٌ مِن التيجانْ
بِودّي أنْ أشدَّ على أنامِلِ
كفِّكِ الطفليِّ أرشُفَ رجفةَ التَحنانْ
أمدُّ ذراعيَ الملهوفَ بين مَخالِبِ القُضبانْ
وتلتصقينَ كالمصلوبِ فوقَ سياجِهِ
المعكوفِ زندُكِ راعشٌ نحوي
وكفّي يعجنُ الأنسامَ مُنشَدّاً
ويمتدانِ
يمتدانِ
يمتدانْ
ويسقطُ في مَدارِ اليأسِ عصفورانِ مُنهدانْ
ولا يتلامسُ الكفانْ
…
وساقوني… بعيداً عنكِ في قَفصيْ
على ظهري همومُ الأمسِ والآتي
يُكبلُني …
رغيفٌ
زوجةٌ
طفلانْ
وصحراءٌ تُغطّيها رمالُ اليأسِ
مرعى دونَ قطعانٍ
وقطعانٌ بلا رعيانْ
…
وفي تشرينَ يا حُبي
أصيبَ الوقتُ بالغثيانْ
تسرَّعَ قلبُهُ الظمآنُ صارَ يسابِقُ
النسبيةَ الرعناءَ مهراً من شُعاعِ
الحُبِّ أمسكَ ثوبَ عرسِ الشمسِ
شدَّ ضفيرةَ الأزمانِ … جدَّلَها
على شُبّاكِ تشريني
فَزقْزَقَ فوقَهُ نيسانْ
ولا ندري سوى أنّا عبَرنا حاجِزَ
القفصينِ طِرنا… لم نكنْ طيرَينِ…
لكنّا على ريحِ الجَوى طِرنا
ركضْنا في سهوبِ العِشقِ عدائينِ
نادينا تخلَّفَ صوتُنا تَعِباً
وراءَ ظلالِ جسمينا
وترمُقنا عيونُ المجدِ مِن بُعدٍ
كفلمٍ عاطِفيٍّ أخرجَ اللقطاتِ فيهِ
مبدعانِ على المَدى عنفٌ وعِشقُ
ونركضُ فوقَ خطِّ الأفقِ
يعلو صوتُكِ المذبوحُ
يا حُبي المكبَّلَ بالأغاني
وأهتفُ من سعيرِ الشوقِ
حُبي يا دِمشقُ
ونقتربُ…
أنا المسحوقُ للقيا
رضيتُ القهرَ والإحراقْ
فيقفزُ فجأةً حولي يُسابِقُني
إلى شفتيكِ أفّاقٌ… ومَخصيٌّ… وصعلوكٌ…
ونادوا كلُّنا عُشّاقْ
وما كانوا قُبيلَ الفجرِ في قفصٍ
هُموا مَنْ أرتجوا الأقفالَ خَلّونا
سنيناً وسْطَ قَحطِ الوصلِ تحتَ
غمامةِ الأشواقْ
هُمو مَنْ حاكموا العصفورَ والأزهارَ
واعتقلوا ابتساماتي
وحاولوا دونَ لقيانا
وباعوا نهدَّكِ العريانَ للسرّاقْ
مكاتيبُ الهوى باسمي
تُكحلُني المصانعُ بالشحومِ
وبصمةُ الطينِ المُقدَّسِ فوقَ لحمي
أنا الباني شموخَ السدِّ بالإرهاقْ
وتمثالاً لذِكرى حُبِّكِ المعبودِ قد
شادوهُ مِن عَظمي
وحمرةُ خدِّهِ المأمولِ مِن شريانيَ الدفّاق
فكلُّ حنينِهم دَجَلٌ
وكلُّ حنينيَ استغراقْ
وما اشتاقوا
ولكنْ فرصةٌ سنحتْ
ووحدي المتعبُ المُشتاقْ
وأعدوا
لن ينالوا قبلةَ الشفتينِ
أصرخُ: دربُ لثمِ الثغرِ عبرَ الجرحِ
هلْ مِن سابقٍ للموت…
يرتدّونَ أبقى وحديَ السبّاقْ
وصلنا جِسرَ نشوَتِنا
تلاقينا
ودُخنا في عِناقٍ جامحٍ كالريحِ
ملتفٍّ حوالينا
تعرَّقنا
ودُرنا حولَ شوقينا
كزوبعةٍ مِن الأضواءِ وانسحقتْ
شفاهُ اللثمةِ الأولى بِثغرينا
وأغمَضنا
ولم نهمِسْ
ولم نُصغِ
ولم نلمِسْ
فكلُّ حواسِنا انسكبَت بقُبلتِنا
تخدَّرنا وأغفينا
وعادتْ ثلةُ العُشّاقِ للمقهى
وظلينا
تهامسَ حولَنا الجيرانُ
والخلانُ
والحسادُ أنّا قد تمادَينا
… تمادينا!!!
وقاولوا أنّهم سمِعوا أذاناً حينَ ناغيْنا
ولم نفعلْ سوى أنّا تغازَلنا وغَنيْنا
فهلْ من ضير يا حُبي
إذا ما قيلَ صلّينا
…
وها مرَّتْ بِنا الأزمانُ ما زِلنا
على ذِكرى اللِقا نقتاتْ
ونحكي عن عشيقِ التربةِ الشهّاءِ
أوغَلّ في عناقِ الأرضِ قبَّلها وماتْ
ونحكي عن سُقاةِ الخضبِ
نحكي عن رحيقِ الصبِّ
نحكي عن دماءِ الحُبِّ
نحكي…
ثم نحكي…
ثم نحكي…
آهِ موَّنّا أقاصيصَ البطولَةِ واكتفينا
فهلْ بِحصارِ ريحِ القحطِ تكفينا المؤونةْ
لقد نَفخوا غرورَكَ يا عُطيلُ فأقعدوكَ
وبلَّدتْكَ بدهشةِ الإعجابِ عيناها
وريِّقُ رجفةِ الشفةِ الحنونَةْ
عُطيل
عُطيلُ يكفي لم يخادعْكَ الوشاةُ
لقد تمادتْ في الخيانةِ ديدمونةْ
أعيدوا بسمةَ الأحداقْ
فلن ينسى رحيقَ الثغرِ مَن صامَ
الدهورَ وأولَ مرةٍ قد ذاقْ
دعوني مِن خِداعِ اللثمِ مِن وعدِ
اللقا البرّاقْ
لأولِ قبلةٍ أشتاقْ
لقد شدّوكِ يا جولانُ عن صدري
وشالوني عن الشفتينِ محمولا
وغطّوا بالأهازيجِ ارتعاشاتي
وحبرٌ زائفُ الأنباءِ قد رشوهُ مَعسولا
وكم رسموا شفاهً كي تُشاغِلني
وحِسّي كانَ مَغلولا
لثمتُ لثمتُ مِن ألَمي
وما زالتْ بثغري نكهةُ الإشراقْ
طعمُ القبلةِ الأولى
…
أبيعُكِ إنْ كشفتِ السرَّ جهراً
ما تبَّقى من حياتي
وأوصي يا شآمُ بأنْ يشيدوا
نصبَ مجدِكِ مِن رفاتي
فأنتِ حبيبتي ما كانَ كانْ
لئِن يُطوى حسامُكِ صدِّقيني
فحلمةُ نهدِّكِ الشمّاخِ تُشرى للرِّهانْ
أزيحي سُدةَ التسآلِ عنّا
بِحقِّ النزفِ ذلٌ صارخٌ حفظُ اللسانْ
لئن كانَ الجميعُ ثقاةَ عهدٍ
وكلٌّ فارسٌ فوقَ الحصانْ
وما مِن عاشِقٍ إلا افتداها
فمَنْ يا شامُ يومَ العرسِ خانْ
وليسَ تساؤلي إلا جَواباً
وبعضُ تساؤلِ المرءِ امتحانْ
فأنتِ المجدُ … أنتِ الزندُ سقّاءً
وريدَ الحُبِّ لا نفطاً ولا مالاً
ولكن دافقاً كالعطرِ أغرقَ غرَّةَ الجولانْ
وأنتِ الحُبُّ من أهوى
جموعاً من بطونِ الجوعِ والحاراتْ
من يفنى ببيتِ الطين
لا ينسى ديونَ الطينِ يا حُبي
وغيرُك خائنٌ ومُدان