الحزن الألق

أيُّها الحزنُ الجميلْ

يا صديقي

يا مليكَ النبضِ في الإحساسِ

والصدقِ الجليلْ

يا شقيقَ القلبِ يا أصداءَ روحي

قُمْ بِنا نمضي على مهلٍ

إلى أفقِ الحكايا

واللقاءِ المستحيلْ

برهةً في معبدِ العشقِ الغريقْ

 

هات زادَ الذكرياتْ

صرةَ الآلامِ رجعَ الأغنياتْ

لفَّ لي تبغَ العذابْ

أشعلِ الموّالَ جمراتِ اغترابْ

وافرشِ الآهاتِ سجّاداً

على عُنقِ الطريقِ

نحوَ عرشِ الوجدِ في كوخِ الصفيحِ

آنَ أنْ نمضي بأوجاعٍ تداوي

بالرؤى روحَ القريحِ

 

صبَّ لي من بحةِ النايِ عزاءا

ابدئ التنهيدَ شجواً ونداءا

أطلقِ الصمتَ رعوداً ناثرا

من خلفِها الوجدَ سماءا

وتأبَّطْ جعبةَ الحلمِ الجريحِ

 

خلِّ مَن في القاعِ يلهو ضاحكاً

وسْطَ المرايا

مثلما اليعسوبُ في الشهدِ التصاقْ

حين تُبدي وجهَها المجذومَ

غيلانُ الروايةْ

سوف يغدو مثلَها محضَ شظايا

عبر إعصارِ النِفاقْ

 

قُم بِنا يا حزنُ هيّا

قد يُواسينا المَسيرْ

فالمدى يبدو هنيّا

لا تسلني ما المصيرْ

وادِعاً تُصغي إليّا

مثلما هدءُ الأثيرْ

حينَ أحكي صامِتاً مخبوءَ نَوحي

فيكَ رِمتُ الفرقَ بينَ الطيرِ جُثماناً

وجثمانٍ يطيرْ

حانياً تدري بأنَّ الومضَ في الأحداقِ بَوحي

 

كرنفالُ النارِ في قلبي تجلَّى

وجهَ طفلٍ صامتٍ مثل الرحيلْ

دونَ ذنبٍ عذَّبوهْ

وهْوَ حباً ما تولّى

مُذعِناً شدّوهُ بالتنهيدِ في ساقِ السريرِ

وجهَ طفلٍ ساهمٍ ندّى الندى

وهوَ يذوي مثلَ شمعٍ في الهجيرِ

عفَّ حتى شفَّ شمساً

 أطفأتْ نيرانَها في البحرِ

كيلا تحرقَ الأصداءَ شدَّت فوقَها

تحنو غطاءَ الأفقِ والليلِ المجيرِ

وجهَ طفلٍ غسلَّتهُ الأنجمُ الأبعادُ

ماساتُ الثريا

والنسيماتُ استعارتْ شرشفاً

من مخدعِ الأسحارِ للطفلِ الغريرِ

علَّهُ ينسى ويغفو

فوقَ ريشِ الغيهبِ الرطبِ الوفيرِ

في إهابٍ رعشُهُ قد لفَّهُ

نارُهُ في النبضِ… لا همسَ النسيمِ

الحلوِ يُطفي حرَّهُ في الوجدِ

أو لمس الحريرِ

يُغمِضُ الجفنين مُرتَجّاً

يغُنّي حزنَهُ المكتومَ

يُخفي أنّةَ المحمومِ

آهاتِ الطريحِ

ثم تندى بسمةٌ طفليةٌ من هدئِها

ترتجُّ أكتافُ الصروحِ

ربما يصحو كما يصحو الشعاعُ

البكرُ وسْطَ الغيمِ كي تندى

 الطرواةُ في مَخدّاتِ السنا

تحتَ عنقِ الشمسِ في الفجرِ الصبوحِ

أتَرى يا حزنُ ما سرُّ هواكْ

حين جنَّتْ ساحراتُ المعبدِ المشبوهِ

حولي ليلَّت وجهَ النهارْ

أطفأتْ في الأفقِ قنديلَ المَلاكْ

ضوأتْ ليلي رؤاك

أتَرى يا حزنُ ما سرُّ هواكْ

بابيّ المنسيُّ لم يطرقْهُ مخلوقٌ

هنا إلا يداكْ

لم يرطِّب قلبيَ المكويَّ من جمرِ

الجفا إلّا نداكْ

لم يسلْ عني وعن ما بي سواكْ

الرفاقُ الرائعوَن استلَّ زندُ الليل ِ

أسيافاً لهم في وجهِ طفلِ الشمسِ

لم يُبدو حراكْ

لم تلوِّحْ قبضةٌ آمنتُ طيلَ العمرِ فيها

مرةً لو مرةً يومَ العِراكْ

لبِسوا أكفانَ من خرَّ صريعاً

قبل أن يأتي الهلاكْ

 

اتكئ يا حزنيَ الأشهى عليّ

فأنا كُلّي لديكَ الآنَ تبقى

يا حبيبي ما لديّ

وارمِ ما ناءتْ بِهِ آهاتُكَ الحيرى إليّ

فبصدري غارُ تنهيدٍ وكيّ

ردَّه عن زفرةِ الأحقادِ عشقُ

الأجملِ المهزومِ

لا النصرِ القبيحِ

سدَّ بركانَ التلظّي

أنَّ أسمى العشقِ في الحزنِ الصفوحِ

رائعاً كالمجدِ يهمي قانياً

حاشا لمجدِ الجرحِ من قيحِ القروحِ

كلَّما غطَّتْهُ أعشابُ السنينَ الوادعةْ

حزَّ للجرحِ مسيلَ الفاجِعةْ

قمْ بِنا نقتاتُ أشواكَ الحنينِ الموجِعةْ

نرتوي من غصةِ البُعدِ الفسيحِ

دونَ أناتٍ وشكوى

دونَ لطمٍ أو نحيبِ

مثلما طفلٌ يحاكي النفسَ كيما يتسلّى

وليكنْ للدمعِ أن يهمي على الخدينِ مهلا

فدموعُ الصمتِ إنْ تسري

ضفيراتُ الجفونِ الكحلِ سحرا

ليسَ أحلى

من غديرِ الماسِ يسري في سنا

الوجهِ المليحِ

دعِ خطانا يا صديقي تعتلي حدَّ

الصخورِ الجارحةْ

كلُّ خطوٍ عقربُ المهمازِ في الوقتِ الكسيحِ

هاتِ حدِّثني ولا تسألْ عن النزفِ

الذي قد ضمَّخَ الأقدامَ كالحنّاءِ سكبا

فعزاءُ القلبِ أنّا دفعةً دسنا

على هامِ الجروحِ

فامضِ نحوَ القمةِ الأسمى

كما يمضي الأصيلُ الحرُّ دوما للجموحِ

نحنُ غنينا بصدقٍ للربيعْ

واحترقنا مثلَ بوذيٍّ لكي نُعلي

لهيبَ الدفءِ في وجهِ الصقيعْ

لا يموتُ الحبُّ حتى جثةً محروقةً

بل يموتُ العاشقُ المرذولُ حياً مذ يبيعْ

 

قد تعرّى الصدرُ طيباً للصواعقْ

وهْوَ يحضنُ حُبَّهُ ميتاً ويأبى أن يُفارِقْ

وهْوَ يحمي قلبَهُ المجنونَ برداً

وسلاماً في الحرائقْ

خُذْ قميصي رايةَ العشاقِ وانثرْ

فوقَ أعناقِ السحابِ الحرِّ

برقاً في المدى أشلاءَ روحي

 

يا أخي يا حزنُ سامِحني فإني

لم أبُحْ بالسرِّ أنّي

كنتُ قبراً طيلةَ الدربِ أغني

في فؤادي جثةَ الحبِّ الذبيحِ

قُمْ إذن يا حزنُ شيِّعني إليّ

خلِّ جثمانَ الحنينَ الطهرَ بي

واقرا السلامَ العشقَ والذكرى عليّ

وليكنْ لي أنْ أضمَّ الحبَّ جثماناً

وأغدو كالضريحِ

ولآمُتْ في قمةِ الإحساسِ بالطهرِ المعنّى

وليعِشْ غيري على طميِ السفوحِ