مادمت قربي

ما دمتِ قُربي لامناصَ مِنَ

  التألُّقِ والذهولِ

نطفو على ترنيمةٍ أمواجُها عَبَقُ اللُبانِ

  ونفحةُ البخّورِ والحناءِ

  والعودِ الخضيلِ

ما دمتِ قربي فالمكانُ هو الزمانْ

خدرٌ كأنفاسِ الكرومِ خبيئةٌ مِنْ

  ألفِ عامٍ حُرِرَتْ كغمامةٍ

  فاحتْ بأسرارِ الدِنانْ

دوامةٌ تحتلُّني عشاً مِنَ الألوانْ

الآنُ ليسَ الآنْ

شفقٌ ينامُ على شواطي الحلمِ

  في الجفنِ الكحيلِ

لاشيءَ غيرُ رفيفِ هدبكِ

  وارتباكٍ بينَ لغوٍ

   أو هديلِ

يا شتلةَ الريحانْ

أُولى قِطافِ النبضِ صمتٌ

  رائعٌ أشهى نداءٍ

   للرحيلِ

ها نحنُ مثلَ تبخُّـرِ الأنداء نصعدُ

  نحوَ مُتكَئِ الرؤى

كغناءِ قبرةٍ يراقصها الضياءُ معابِـثاً

  بخفائِـهِ وظهورهِ .. مُتسللاً

  كالهدهدِ السحريِّ

في سُعَفِ النخيلِ

إن هاجَ وجدُ كالرحيقِ وكادَ ينطقُ

   من شفاهِكِ فارشُفـيهِ

   ولا تقـولـي

خلّيهِ يندّى مِنْ مَسامِكِ رعشةً

أو مِنْ عيونِكِ دمعـةً

تروي الحنايا كلَّهـا

إن الغمامَ الحرَّ لا يدري

سوى لغةِ الهطولِ

مادمتِ قربي لن أجيدَ سوى الهوى

في كلِّ عصرٍ أستعيدُ ملامحي رغمَ النوى

إني شبابُ الكونِ عِشقـاً

   حينَ أسطعُ في الحلولِ

وأنا مَنِ ابتكرَ التواصلَ دونَ لمسٍ .. بالوَمى

وأنا مَنِ اعتَصرَ القلوبَ مِنَ اللُّمى

نَسبي لِـمَنْ في شُرفَـةِ التاريخِ أشعلَ قُبْلَةً

 للمرَّةِ الأولى على شَفَةِ النساءِ

   فَصـّيرَ الإنسانَ إنسانـاً

   ونبْضي وقْعُ أعراسِ القبائل

    في الطبولِ

ها أنتِ قربي والطبيعةُ كلُّهـا

  دَلَفَتْ إليكِ كَكَرنفالِ المستحيلِ

إني لأسمعُ كيفَ يعتصرُ الربيعُ

  جنونَـهُ ما بينَ وادي الهضبتينِ

  يصيحُ مِنْ عَبَقِ الفصولِ

حين ارتكزتُ إلى السفوحِ تَدافَعَ

  اليخضورُ في جَذْعِ

                       الخصوبَـةِ

  راشقاً سِرباً مِنَ الخلجاتِ

    تَرقُصُ في الحقولِ

وَعَدَتْ على سهلِ الـنَّدى تجتاحُـهُ

من أخمصِ البستانِ حتى زهرةِ الرمّانِ

   قطـعانُ الوعولِ

ما بينَ وادي الهضبتينِ طراوةٌ تنسابُ

  حتى منحنى الخصرِ النحيلِ

أوغلتُ ـ منذُ الفجرِ ـ رأسي في حنينِ

  الضوءِ والعطرِ الخضيلِ

يا شتلةَ الريحانْ

هذا عشيقُكِ لن يزيحَ الرأسَ

  عن نبعِ البتولِ

غطّيـهِ بالأغصانِ ثمَّ تألَّـقي

  كُرمى لأحلامِ القتيلِ

قد ماتَ من خوفِ ابتعادٍ عن رحيقِكِ

  إن تنفَّـسَ في الأصيلِ