أصوات من التاريخ مسجلة دون ترتيب

(1)
في البدء كان الصمت

لولا الصمتْ
ما اهتزَّ الصوتْ
لكنَّ البدءَ حياةْ
منها جاءَ الموتْ
أحبو نحوَ القبرِ
فأذكرُ أنّي طفلاً
كنتُ حَبَوتْ

(2)
انشتاين والثورة

سيروا .. أو عُودوا
في طرقِ الثلجِ المنسيّةْ
ركضاً .. أو زحفاً
ميلوا بالخطوِ شمالاً
ينسابُ الدربُ جنوباً
غنّوا للمطرِ الشرقيْ
أو للسحبِ الغربيّةْ
ضاعتْ بوصلةُ التاريخِ
فصارت كلُّ معانينا نسبيّةْ

(3)
الراية الطوفان

لا تحلمْ بالشطِّ الهادئْ
فالتيار تخبأَ تحتَ جفونِ البحرْ
وسفينةُ نوحٍ ملقاةٌ ما بينَ الصخرْ
وعلى الرملِ رداءٌ أحمر
قفطانٌ وثيابٌ رثَّةْ
نوحٌ جُثةْ ..
نوحٌ جُثة ..

ماتَ النورْ
محطوم الأسنانِ تلطَّخَ بالطينِ
وبالأوحالِ يمورْ
ولسانٌ عضَّتهُ اللثةْ
كيفَ يثورْ
نوحٌ جثَّةْ ..صارٍ مكسورْ
ودمٌ سالَ زماناً ثمَّ تخثَّرْ
فوقَ الشاطئِ أفعى .. قططٌ .. وعقاربْ
وخرافٌ تثغو وثعالِبْ
ألوانٌ شتّى تتماوجْ
وتؤسسُ مملكةَ الحيوانْ
وأنا أبحثُ كالملهوفِ عن الربّانْ
وأطوفُ على كلِّ الشطآنْ
فلقد كان ..
قبلَ العاصفةِ رداءٌ أحمرْ
فوقَ الكتفينِ جناحَيْ نسرِ الرعبِ ..
وكانْ .. بعدَ الموتِ يُغطي الجُثمانْ
أما الآن .!!
فأنا لا ألمحُ إلا اللونَ الأحمرْ
حتى ثوبُ القردِ تغيّرْ
والثعلبُ والقططُ الحمقى والثعبانْ
كلٌّ يلبسُ ثوباً أحمر
من يرشِدني أينَ القبطان ؟؟
من يرشِدني أينَ الإنسان.؟

(4)
الدكان

فتحوا متجرَ أحزانٍ بعد الطوفانْ
وتباروا في صِيَغِ الإعلانْ
تجارٌ من كلِّ الألوانْ
العقدُ الأولُ والثاني
عن كرمةِ دمعٍ في بيسان
العقدُ الثالثُ والرابع
عن جاريةٍ غجريّةْ
شفتاها جرحٌ والعينانْ
شطآنٌ غزّاويةْ
العقدُ الخامسُ والسادسْ.. ينبوعُ مياهٍ جوفيّةْ
ولحماماتٍ شمسيّة
كالشامةِ في خدِّ الكثبانْ
والرائعُ في هذا الإعلانْ
أن الريعَ سيرصدُ للجمعياتِ الخيريّة
ولمنكوبي ليلِ العدوانْ
.. قد تسألني أينَ التاجرْ ؟؟
أين المتجرُ والأعوان ؟؟
قُطِعَ لساني إن أدري .. فأنا ربُّ عيالْ
ولماذا أُحرِجُ أو أُحرَج ؟
وغدا تُفرج..
قالوا منذ سنين .. منذ سنين ..
أن المتجَرَ سوف يُفجَّرْ
وسيختَمُ بالشمعِ الأحمرْ
ويزيَّنَ بالنورِ الأخضرْ
قالوا .. يومَ الزحفِ يسيرُ المتخمُ والعريان
لا فرقَ لتحطيمِ المتجرِ بين الأخوانْ
قد كنتُ صغيراً ..
والآن
كبرت ساحاتُ المتجَرْ
لم تُختمْ بالشمعِ الأحمرْ
لكن لا
قُطعَ لساني إنْ قلتُ بأنَّ أحدَهم خانْ
فلقد قالوا : بعد سنين.. سوف يُفجَّرْ
هذا المتجَرْ
ولعلي شختُ ولم أكبرْ
فأنا ربُّ عيالْ
لا أدري شيئاً عن أصحابِ المتجَرْ
لكني يصحو في الإنسانْ
فينادي من غارِ الأحزانْ
في دربِ النورِ الأخضر
ولكي يُختمَ بالشمعِ الأحمرْ
هذا المتجَرْ
لا يمشي الشبعانُ مع الجوعان
(5)
الاستمرار

زارا في المَعبَدْ
والأبوابْ
ما زالتْ موصدةً في وجهِ الرهبانْ
زارا ماتَ ترَمَّدْ
وازدادتْ أفواجُ الكهَنَةْ
تتدافعُ حولَ جدارِ المَعْبَدْ
والراهبُ يصرخُ : هذا الدخّانُ علامةُ زا را
حيٌّ مولانا
قُربَ المذبحِ يتعَبَّدْ
حيٌّ في كلِّ الأزمانْ
كُسِرَ البابُ فصاحَ الراهبُ وانصعقَ الكهّان
زارا كانَ أرومةَ نارٍ تَتَوقَّدْ
ما ابقى اللهبُ الصاخبُ مِنهُ سوى فَحْمَةْ
لكنَّ النارَ بزيتِ الأعصرِ تتجدَّدْ

(6)
اللحن أم الآلة والملحن

كورالُ الفرقةِ عصريٌّ
وثيابُ الزهوِ فضائيّة
الصالةُ تعملُ بالأزرارْ
والمايسترو في فَمِهِ غليونْ
يتحركُ في نزقٍ وجنونْ
تحتَ الأضواءِ الفضيّةْ
أنصتنا مشدودينَ من الأعصابِ وبالأعصابْ
لحظةَ صمتٍ ثم انفجرتْ في الأحداقِ الدهشَةْ
واندفعَ الجمهورُ إلى الأبوابْ
كان اللحنُ (لحسبَ الله )
والإنشادُ مدائحَ نبويّة
والمطربةُ العصريّة
كانت رابعةَ العدويةْ
يا أحبابي شدّوا أوتارَكمو المرخيّة
وتهجوا قبلَ العزفِ حروفَ الأغنيّة
فمقام – الرصدِ – الآنَ وليس – حِجاز –
في السهراتْ
أوانسُ تحكي والساداتْ..!!
عن إلكتروناتِ الذرةِ والليزرْ
عن آخرِ تقليعاتٍ شغلتْ فِرقَ الجازْ
يعتمرُ الوالي قُبَّعةً افرنجيّة
أو يلبسُ أحدثَ بنطالٍ من خيرِ طِرازْ
ويسيّرُنا عقلُ القمبازْ

(7)
الكلمة والسلطة

قد رانَ الليلُ وحينَ هتفتُ أفيقوا
فالدربُ النعسانْ
قد أطفأَ نارَ النخوةِ فينا
أمطرَ .. أثلج ..
خرجَ الشعبُ لكي يتفرَّجْ
وأنا أصرخُ فيهم : ها قد سِرتمْ فخذوا المِعوَل
كونوا مثلَ الثُعبانِ لقتلِ الثُعبانْ
فالدربُ تعرَّجْ
هيا اقتربوا ..الآنَ ستُفرَجْ
قالوا : حكمَةُ ملكٍ لكنْ غيرُ متوَّج

(8)
إعلانات
الحرب الكبرى رحلةُ صيدْ
.. آمنا .. لكنْ كيفَ يَصيدْ ؟
من كفاهُ بِحُضنِ القيدْ
الحربُ الكبرى لن تأتي فالحربُ غدا
إذْ كلُّ صباحٍ يأتينا
ندعوه اليوم ..!
ضاعَ العمرُ سدى ..
والصوتْ.. بدونِ صدى

(9)
إعلان سري ممنوع

لا تسألْ أينَ المرفأْ
فبحارُ الجرحِ بلا مرفأ
لا .. لا تتعللْ بالأشباحْ
من ناموا تحتَ رداءِ الملجأْ
لا تُطلِقْ ألفاظاً جوفاءْ
فشعارٌ في غيرِ أوانٍ يصدأْ
إن كنتَ تريدُ السيرَ إلى الشطآنْ
بنفسِكْ إبدأْ
ما بينَ الحرفِ وبينَ الموقفْ
رجلُ المبدأْ
********