البجع الأبيض يرحل عن بيروت

البجع الأبيض يرحل عن بيروت

آخْ .. وعلى الشِفَّةْ
شدَّتْ عضَّةْ
حينَ افتضَّ حبالَ الصّوتْ
جدولُ توتْ
فتحَتْهُ بِحُنجُرتي نحلةُ ومضَةْ
فرَّتْ من زعنُفَةِ الفولاذِ المسعورِ
بظهرِ الحوتْ
…حتى البجعُ الوادعُ يرجِعُ أرضَهْ
حينَ يحسُّ بأنْ سيموتْ
لكني لا أملكُ حتى تابوتْ
يحمِلُني في هذا البحرِ إلى أرضي
لو مغموساً كالأسفنجِ بِريقِ الياقوتْ
لا بأسَ فصوتي يتوضأُ بالخمرِ العشقيِّ
يؤدي فرضَهْ لحنينِ ترابِك يا بيروتْ
***
أنزفُ .. أنزفُ .. أحرفُ صوتي تدلفُ
تقطُرُ .. تقطُرُ نزفاً
حرفاً .. حرفا
تسّارعُ قطراتٌ تحمِلُ أحرفَ صوتي
تدرجُ حيناً وتسيل
.. أنزفُ شدواً .. أشدو نزفاً تتخلَّقُ
من ثغري أغنيةُ المُطْلَقْ
فأصيرُ محاراً تعبرُهُ الريحُ تنادي آلهةَ البحرِ
فينشَقُّ الموجُ ويخفِقُ
بعضٌ يخفي بعضَهْ
تصّاعَدُ حورياتُ الخَدَرِ الراشحِ من جُرحي
في البحرِ تلوِّحُ ساحرةً غضَّة
متكئٌ فوقَ الرملِ ولكنّي أخرجُ مني ..شفافاً
أخطو فوقَ الماءِ أمدُّ ذراعيْ .. تصبحُ
قيثاراً .. أعزفُ ..أعزفُ
ترقصُ حورياتُ البحرِ
تغيبُ الحيتانُ الفولاذُ المسعورُ .. أُغنّي
أنزفُ .. أشدو تتجمَّعُ كلِماتي رفّاً من بجعٍ
أبيضَ يتألَّقْ
تهربُ حدآتُ النارِ يغيبُ دُخانَ القصفِ
أتابِعُ أغنيَتي
.. حتى البجعُ الوادعُ يرجِعُ أرضَهْ
حينَ يحسُّ بأنْ سيموتْ
يثّاقلُ جفني أشرقُ بالَّلحنِ الَّلزجِ فينخطفُ
المشهدُ تقفِزُ كالأرنبِ بيروتْ
تتقافزُ حانيةً للماءِ وترشِقُني مَرَحاً
يرتجُّ الموجُ يرجُّ ديكةً بأعرافٍ فِضَّةْ
تتحلَّقُ حولَ الطفلَةِ حورياتُ البحرِ
تُعَمِّدُها بعصيرِ الحنَّةِ والزَنبَقْ
أنزفُ .. تتمايلُ
ألهثُ .. تركضُ نحوي فوقَ الماءِ
.. وتنأى .. تنأى .. أتعرَّقْ
تتضاحَكُ .. ينفرِشُ الشطُّ زهوراً
وتصيرُ التلَّةُ روضَةْ
.. حتى البجعُ الوادِعُ يرجِعُ أرضَهْ
حينَ يحسُّ بأنْ سيموتْ
ينزَعُ سِربُ البَجَعِ الريشَ وينسجُ شالاً للطِفلَة
أنزفُ .. يدخُلُ سربُ البجعِ بقلبي ..يخفُقُ
يخفُقُ .. ثم يرَنِّقُ يتلاشى في النبضِ
المتهالكِ .. تُومي حورياتُ البحرِ إلى الطفلةِ
كي تأتيَ نحوي .. تبتسمُ .. وتدنو وهيَ تلُفُّ
الشالَ الريشيَّ كمنشفةٍ حولَ الجَسَدِ الضوءِ
.. يضجُّ الوَهجُ ويسحَبُني نحْوَ المِحرَقْ
متكئٌ فوقَ الرملِ ولكنّي .. أرجعُ ..
أرجعُ .. أدخلُ فيَّ تغوصُ الحورياتُ
تلوحُ وئيداً أذيالُ الحيتانِ الفولاذِ المسعور
تباطأَ خطوُ القدمينِ العصفورينِ على الرملِ..
الطفلةُ تحمِلُ يافا نحوي .. أسمعُ لغواً عربيا
عن بارفانِ النفطِ الدمِّ الويسكيِّ ..
عباراتٌ لا يُفهمُ منها غيرُ الإعلاناتِ
الأرصدةِ .. وتندرجُ على الرملِ تعيقُ الطفلةَ
تقشطُ حدآتُ النارِ الزرقةَ
يلفحُ عينيَّ دخانٌ يعبرُ صَوبي
.. حتى البجعُ الوادعُ يرجِعُ أرضَهْ
حينَ يَحُسُّ بأنْ سيموتْ
أُغمِضُ جفنيَّ وأنتظرُ الطِفلَةَ .. تُبْطِئُ
تُبْطِئُ ..يُبْطِئُ نَبضي إيقاعاً
يَلبَسُ صمتي رجعَ الأغنيةِ سماءٍ
تتماهى الكلماتُ المبيَّضَةْ
سرباً من بجعٍ منتوفِ الريشْ
يَهمي ظلُّ الشالِ عليَّ
وتلمُسُ وجهي كفٌ ناعمةٌ بضَّةْ
.. ياحبي افتحْ عينيك
أجهدُ كي أفتحَ جفنيَّ .. تسافرُ أعصابي
بقطارِ طنينٍ يسكنُ أذني
.. ياحبي افتحْ عينيك
.. شدِّي جفني .. شديّهِ
ينفتحُ الجفنانِ على سربٍ
من بجعٍ أبيضَ يرجعُ أرضَهْ
ويوَدِّعُ قلبي آخرَ نبضَهْ
******