كذبَ الإسرائيليون ولو صدقوا

كذبَ الإسرائيليون ولو صدقوا

• إسرائيل كانت دائما تخرق الاتفاقيات، ورغم الهدنة الموقعة مع لبنان قامت بعشرات المجازر فيه.
• الأرض مقابل السلام شعار جائر فإسرائيل لا تملك الأرض حتى تتخلى عن قسم منها، والمقاومة ضد المحتل حق لأي شعب يريد الحرية.

 

نموذج للمكر الإسرائيلي استراتيجيا:
تظهر المفارقة حتى في عنوان المقالة بسبب مدى نذالة السياسة الإسرائيلية، فأصل العبارة التي جرت مجرى الأمثال هي “كذبَ المُنجِّمون ولو صدقوا” وهي تشير إلى تبجح المنجمين وادعائهم بمعرفة الغيب، وبعضهم يدخل في حومة هذا الادعاء فيُصدق نفسه، لكن الإسرائيليين يكذبون عن مكر وخبث وهم يعرفون تماما أنهم يكذبون، وهدفهم الخديعة والإيقاع بالخصم.
هذه السمة ملاصقة لهم تاريخيا، وأسطع حالات مكرهم تتجلى منذ التوقيع على كامب ديفيد التي كان من بين أهدافها تحقيق السلام وإنهاء الصراع المصري الإسرائيلي لكن “إسرائيل” عمليا كرست مكاسب هائلة دون أن توقف الاستيطان والصراع العربي الإسرائيلي، حيث تمكنت بذلك من إبعاد أكبر بلد عربي هو مصر عن جبهة الصراع العربي مع “إسرائيل”، بل وإقامة علاقات ودية مع مصر تحديدا بمعنى فتح الباب أمام دول عربية أخرى أيضا لإقامة علاقات ودية ودبلوماسية مع “إسرائيل”، الأمر الذي جرى عمليا على أرض الواقع أي شق وحدة الصف العربي، دون تحقيق سلام عادل وشامل، في حين يقول بيان الاتفاق: “إن حكومتي جمهورية مصر العربية ودولة “إسرائيل” اقتناعا منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط…!” وكان عنوان المعاهدة ذاتها ” اتفاقية إطار السلام في الشرق الأوسط” ولم تستفد القضية الفلسطينية عمليا حتى من مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط 1991 ثم مؤتمر أوسلو 1993 شيئا يذكر سوى بعض الإجراءات الشكلية، ورفعت عام 1991 صفة العنصرية عن الحركة الصهيونية التي كانت مدانة من المجتمع الدولي باعتبارها خطرا على الأمن والسلم العالميين وفق القرار 3379 لعام ،1975 وتمزقت وحدة الصف العربي التي وصلت أوج قوتها أواسط السبعينات.

 

الخداع الغربي يتحد مع المكر الإسرائيلي:
لا بد من الإشارة إلى أن جميع هذه المؤتمرات والاتفاقيات كانت تستند إلى قراري مجلس الأمن الدولي “338 و242” اللذين ينطلقان عمليا من شعار الأرض مقابل السلام، وهو بحد ذاته شعار جائر حيث يفترض في تفسيره ضمنا أن تقدم “إسرائيل” الأرض للفلسطينيين، ويتعهد العرب بأن لا “يعتدوا عليها”، وكلا المفهومين خاطئ، فإسرائيل لا تملك أرضا في فلسطين كي تتخلى عن بعضها فهي دولة مغتصبة، والعرب لا يعتدون بل يقاتلون في سبيل تحرير أراضيهم وهو ما تضمنه جميع الشرائع الإنسانية والقوانين الدولية.
وتمحّصُ مجريات الاعتداءات الإسرائيلية والتجاوزات بعد وأثناء تلك الاتفاقيات يشير بوضوح إلى أن “إسرائيل” كانت توقع على هذه الاتفاقية أو تلك وهي تبيت لمشاريع مناقضة لها, فبعد أن أبرمت هدنة عام 1948 بين العرب و”إسرائيل” برعاية الأمم المتحدة تقضي بعدم اعتداء أي من الطرفين على الآخر، قامت “إسرائيل” بشن عدوان على مصر من سيناء عام 1956 لمساندة الأساطيل الفرنسية والبريطانية في الاعتداء الثلاثي الشهير على مصر عبد الناصر بعد تأميمه قناة السويس، ثم جاء عدوانها الصارخ عام 1967 والتي وسعت من خلاله مساحة الأراضي التي تسيطر عليها، وقامت باحتلال الضفة الغربية وضم القدس الشرقية والجولان، ناهيك عن المجازر البشعة التي قامت بها في لبنان ما ينسف جوهر أية هدنة، كمجزرة بلدة حولا التي قادها مناحيم بيغن نفسه، ثم مجزرة حانين عام 1967، ومجزرة يارين عام 1974 وصولا إلى مجزرة صبرا وشاتيلا التي قام بها الجيش الإسرائيلي بمساعدة حزب الكتائب وجيش لبنان الجنوبي عام 1982 وعدد كبير من المجازر الدموية الأخرى كالنبطية وقانا ، رغم أن اتفاق هدنة كان قد وقع بين لبنان وإسرائيل منذ عام 1949.

 

نماذج المكر الإسرائيلي تكتيكيا:
الكذب والخداع لا يظهر بسطوع في القضايا الاستراتيجية الكبرى كما في كامب ديفيد وحسب بل وحتى في بعض الشؤون التكتيكية غير الكبيرة من ذلك مثلا أن الرئيس الإسرائيلي “اسحق هرتسوغ” أكد لضيوفه من السفراء العرب “سأتحدث عن ذلك في مقالة خاصة قريبا” أن تقديم الذبائح كقرابين بمناسبة الفصح اليهودي في الأقصى هو مجرد إشاعات لا أساس لها من الصحة، وأنه سيحافظ على القدس بوضعها القائم، كان ذلك قبل بضعة أسابيع أي قبيل عيد الفطر، لكي يُظهر “إسرائيل” بمظهر الصديق، في حين تشير معظم المعطيات في اليومين الأخيرين أن مئات المستوطنين الإسرائيليين من نشطاء المنظمة الصهيونية المتطرفة “عائدون إلى الهيكل” اقتحموا المسجد الأقصى بمساندة وحماية من الشرطة الإسرائيلية، ويقول شهود عيان أن مظاهرتهم انطلقت باتجاه القدس ومعهم عددا من الماعز لتقديمها كذبائح، وبما أن الإسرائيليين عبيد للمال فقد أعلنت تلك المنظمة عن تقديم مبالغ مالية كبيرة للمشاركين في هذه المسيرة. ناهيك عن توسيع الاستيطان في القدس، وتضييق الخناق على أهلها، وحتى هدم بيوت المقدسيين لكي يرحلوا عن المدينة المقدسة.
الكذبة التكتيكية الثانية في الأيام الأخيرة أيضا هي الإعلان عن أن القوات الإسرائيلية لا علاقة لها بالمقابر الجماعية وخاصة في المشافي التي اقتحمتها، ثم اختفاء المئات من المرضى والأطباء والممرضين، والذين احتموا بالمشافي كونها من المباني المصانة وفق القانون الدولي، القانون الذي قد يعمل في كل أنحاء العالم عدا “إسرائيل”، لعلهم يريديون القول أن جماعة الجن التي قتلت “سعد بن عبادة”(1) لأنه بال في جحر لها هي التي قامت بدفن المئات في مقابر جماعية، وقد تزامن ذلك صدفة مع احتلال القوات الإسرائيلية لمشفى ناصر ومشفى الشفاء، وادعى الكذاب الأكبر “أدرعي” الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أن الجيش الإسرائيلي قام بفحص الجثث التي دفنها الفلسطينيون للتأكد فيما إذا كان بعضها يعود للرهائن الإسرائيلية حتى أنه ادعى أنه جرت معاملة الجثث باحترام مراعاة لكرامة الأموات، على مبدأ غوبلز “اكذب ثم اكذب اكذب” (2). الجدير بالذكر أن بعض المصادر ومن بينها المرصد الأورومتوسطي أكدت أنه تم انتشال مئات الجثث من المقابر الجماعية وأن بعضها يعود للمرضى حسب الضمادات أو أنابيب القثطرة التي ما زالت لاصقة بأجسادهم عدا عن سرقة بعض الأعضاء، فوجود جثث بدون رؤوس يعني الرغبة على الأرجح باستخدام العيون، وهناك جثث سحب قسم من جلودها، وحتى الاتحاد الأوروبي على الرغم من ممالأته لإسرائيل دعا إلى إجراء تحقيق بهذا الشأن، كما طالب مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإجراء تحقيق دولي مستقل حول المقابر الجماعية، ويلفت النظر تصريح نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق الذي نوه بضرورة إجراء تحقيق أممي بشأن المقابر الجماعية مضيفا لكن ذلك بحاجة إلى موافقة جميع الأطراف!!! وأن الوضع على الأرض حاليا لا يسمح بإجراء مثل هذا التحقيق.
أما الكذبة التكتيكية التي يتمخض عنها إجراء استراتيجي فهي من خلال سحب قسم كبير من القوات الإسرائيلية البرية من قطاع غزة بشكل علني واستعراضي للإيحاء بأن عمليات الإبادات الجماعية قد توقفت، فيما تظهر الحقائق أن الاستعدادات لا تزال جارية لتنفيذ اقتحام مدينة رفح ما يسفر عن كارثة إنسانية كبرى، شخصيا أرجح -إن اتخذ القرار بالفعل- أن تقوم “إسرائيل” بعمل استعراضي آخر، وهو نقل قسم ضئيل من السكان واللاجئين إلى مناطق أخرى لكي توحي للعالم بأنها لا تريد تعريض المدنيين للخطر، وقد نشرت أسوشيتد برس صورا من الأقمار الصناعية تشير إلى أن “إسرائيل” أنشأت مخيما ضخما قرب رفح لنقل اللاجئين قبل البدء بعمليته، وحسب ضيق المكان فإن هذا المخيم لن يتسع حتما لأكثر من قسم ضئيل من الموجودين في رفح، وأرجح أن يتم ذلك في الأسابيع القليلة القادمة، وسيبقى هناك أكثر من مليون إنسان في منطقة ضيقة جدا، وبحجة تطهير رفح من قادة حماس سيتم قصف أحياء بكاملها، وسيكون عدد الضحايا في هذه الكثافة السكانية الأعلى نسبة في العالم غير مسبوق، وتحقق إسرائيل بذلك هدفا استراتيجيا وهو الخلاص من الفلسطينيين، وليس صدفة أن هناك مثلا صهيونيا متداولا بكثرة في إسرائيل يقول: الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت”.

 

1- سعد بن عبادة شخصية – تاريخية هامة كان سيد الخزرج قبل الإسلام، وقيل أن الجن قتلته أيام عمر بن الخطاب، لأنه بال في جحر لها، وأنشدت: “نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة/ ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده”
2- جوزيف غوبلز- وزير الدعاية في الحكومة النازية يقول: “اكذب واكذب حتى يصدقك الناس”

 

كذبَ الإسرائيليون ولو صدقوا