«أيمن أبو الشعر بين روزا لوكسمبورغ وساحة العاصي».. دراسة تطفو على ضفتي حياته وسيرته الشعرية

«أيمن أبو الشعر بين روزا لوكسمبورغ وساحة العاصي».. دراسة تطفو على ضفتي حياته وسيرته الشعرية

مايا سلامي

صدر عن دار جهات للنشر والتوزيع دراسة بعنوان « أيمن أبو الشعر بين روزا لوكسمبورغ وساحة العاصي»، تأليف الدكتور راتب سكر، تقع في 111 صفحة، وتهدف الدراسة إلى تسليط الضوء على حياة الشاعر أيمن أبو الشعر وكتاباته الشعرية والقصصية والمسرحية وترجماته التي احتل من خلالها مكانة خاصة بين شعراء عصره ولاسيما في الربع الأخير من القرن العشرين حيث أيدته جماهيرية واسعة جعلت من المقاهي مكاناً يحتفي بشعره وقصيدته التي أغناها بالجدة والثقافة والخيال والطواف بالأمكنة والتواريخ.

كما تقسم هذه الدراسة إلى شقين يختص الأول في سيرة حياته ونشأته في البيت الشامي الذي يشبه عشاً ناحلاً معلقاً على ذراع علوة المهاجرين قرب العلوة الكبيرة لجبل قاسيون، ونشأته بين أترابه في الحارة والمدرسة، بين حنان غامر من الوالدة ونظرات الرضا من الأب الناصري الذي شغل عضوية مجلس الأمة في القاهرة، ونشأته بين كتب التراث الثقيلة وكتب الآداب الحديثة والإبداعات الجديدة. أما الشق الثاني فيستعرض سيرة المدونة الأدبية التي كتبها أيمن أبو الشعر، شعراً ومسرحاً قصة وترجمة، وهي سيرة تاريخية للنصوص في ظهورها وحضورها، والدواوين والكتب المنشورة بحسب أزمانها وعدد طباعاتها.

طفولة الشاعر

وفي البداية يتحدث الكاتب عن طفولة الشاعر أيمن أبو الشعر التي قضاها برفقة والديه محمد خيري أبو الشعر ولمعان تلماز اللذين ربياه على أحسن وأنبل الخصال العلمية والأخلاقية. فيقول د. سكر: «درج الطفل في حارة الأولياء من حي السكة العريق من منطقة العفيف في المهاجرين بسفح قاسيون يتعلم أبجدية حب الوطن، والإيمان بجوهر انتمائه العربي، مما يتلاحق من صور بين منزله ومدرسته الابتدائية وبساطة الناس في الحارة والحي».

ويوضح كيفية تأثر الشاعر بتوجهات والده السياسية الناصرية من سن مبكرة: «ها هو ذا في العاشرة من عمره يتابع حماسة أبيه وتفاعله مع أقرانه في حشود الأهالي، مناصرين بهتافاتهم العالية مصر ورئيسها الأسمر المحبوب جمال عبد الناصر في مواجهة العدوان الثلاثي سنة 1956، هذه الحماسة أخذت بعد عام أو بضعة أشهر مداها في عام 1958 مع خطاب قصر الضيافة الشهير الذي غاب شاعر المستقبل الطفل وهو في الثانية عشرة عن مدرسته مع مجموعة من صبية الحي لمتابعته معلناً قيام الوحدة السورية- المصرية».

صديقان حميمان

كما يكشف الكاتب في دراسته عن علاقة الصداقة القوية التي جمعت ما بين الشاعر أيمن أبو الشعر وأستاذه الشاعر محمد الحريري عندما كان تلميذاً في الصف الأول الثانوي في ثانوية «الشرق الخاصة»، حيث وجد من مدرس اللغة العربية ذي الحضور الثقافي الآسر تشجيعاً مهماً وتناغماً بين تطلعاته الفكرية المتنامية، وسرعان ما أصبح ذلك المدرس النابه المرح وتلميذه النجيب صديقين حميمين على دروب الشعر والمشاركة في الأمسيات الأدبية والتعارف مع أدباء مختلفي المشارب والاتجاهات على شرفات الوجود وأحلامه الواسعة. ويذكر هنا د. سكر قول الشاعر بأستاذه محمد الحريري بعد رحيله: « محمد الحريري شاعر مخلص ومتميز، كان أستاذي في مرحلة الثانوية ويعود له فضل كبير في متابعة رحلتي الشعرية (انقضاضا) بفضل تشجيعه، من ثم غدا صديقي حقاً مخلصاً شاعراً وصديقاً، يتميز بالطرافة لكنه يظهر جدية عالية حتى حدود الآلام العميقة، يولي القضايا الطبقية والإنسانية اهتماماً كبيراً… وأذكر أن أولى الأمسيات الشعرية التي شاركت فيها أيام دراستي الجامعية كانت في ربيع عام 1976 عندما قبل الشاعر الحريري مشاركتي معه في أمسية ينظمها النادي».

عطافة مهمة

ويتطرق الدكتور راتب سكر إلى المرحلة التي عاشها الشاعر أيمن أبو الشعر في حماة حيث نقلته مرحلة خدمة العلم بعد الدراسة الجامعية إلى ربوع العاصي فاتسعت قائمة صداقاته الطويلة لأسماء جديدة من زملائه في الخدمة أو من المهتمين بالثقافة والأدب في حماة حيث ازدهرت حياته الشعرية وشارك في أمسية شعرية نوعية مع الشاعرين وجيه البارودي وسعيد قندقجي ظلت أصداؤها تتردد طويلاً بين معجب بقصيدة «قارع الطبل الزنجي» وهازئ بتوظيف شاعرها تقانات سردية ومسرحية في بنائها الفني، مثل لفظة « دم دم موسيقا يا بوم الشؤم» صدى لصوت طبل الزنجي المتهالك المريض. وهنا يرى المؤلف أن «كتابته قصيدة (قارع الطبل الزنجي) الجديدة في حماة كانت انعطافة مهمة في مسارات شعره وقد جاء بناؤها السردي المسرحي تكثيفاً لتجارب السنوات السابقة وتأسيساً لأسس فنية جديدة ستسم قصائده اللاحقة، وبدت شخصية الزنجي المحورية فيها رمزاً عالمياً للمقهورين في الأرض».

وفي هذا الفصل يلقي الدكتور راتب الضوء على قصيدة « كروبسكايا» التي يبدؤها بمقدمة عن «روزا لوكسمبورغ» محتفلاً برمزية حضور المرأة في الكفاح وتحدي الظلم مورداً أمثلة من عطاء المرأة الغربية في العصور الحديثة. وجاء فيها:

كروبسكايا

مدّي لي من صرخات القهر نشيداً

وطني ينساب مع الألحان المجلودة بالأشعار

يا عاشقة الخصب تهجي أحرفنا

المكوية بالقحط لعل رمال الدرب

تفتّق عن سنبلة أنثى

تمنحني زاد الرحلة

«أيمن أبو الشعر بين روزا لوكسمبورغ وساحة العاصي».. دراسة تطفو على ضفتي حياته وسيرته الشعرية