كانت “حماة” محطة إبداعية رائعة ونوعي

كانت “حماة” محطة إبداعية رائعة ونوعي

 

 

“في استنهاض الذاكرة قبل نحو من 50 عاما”

 

  • كان سمير الحكيم يضطر أحيانا لتدريب إحدى قريباته سراعا لإنقاذ هذا العرض المسرحي أو ذاك حيث كان صعبا إيجاد ممثلة للدور النسائي
  • ساد القلق على الجميع حين تأخرت الممثلة قبل الانطلاق إلى الطبقة، وكان سمير ينتظرها عند المنعطف، وحين لاحت أخيرا صرخ كبحار في أعلى الصاري: اليابسة!!!
  • أضفَت مهارة عادل شكري المسحة الجدية التي كنت أتمناها في الأرنب الذئبي، فقد تقمص الدور تماما حتى بدا أنه لا يمثل

معظم هذه الذكريات يعود لعشرات السنين، وربما رحل معظم المبدعين الذين يقتضي الوفاء أن أسجل بعض الانطباعات والشهادات عنهم بما تسعفني به الذاكرة

حماة شعر ومسرح وطرب

كانت لي جولات في طار نشاطاتي الإبداعية في مختلف المدن والمحافظات وحتى في بعض الأرياف، وكانت حماة إحدى المنصات الهامة في هذا المجال، فقد شاءت الظروف أن تكون خدمتي العسكرية كضابط مجند في حماة، المدينة الجميلة “الموغلة في الأصالة، وكان من البديهي أن أبحث خلال أيام وأسابيع عن أشقاء للروح من المبدعين في شتى المجالات، وحماة في الواقع مدينة مبدعة بامتياز ذاك أن لها خصوصيتها حتى في التعامل مع شتى أنواع الإبداع شعرا ونثرا وطربا، مدينة تحمل بعض المفارقات في تنوع مشاربها الذوقية والثقافية والفنية، ولها إلى جانب ذلك طابعها المحافظ الذي ربما ساهم في توجه معظم المثقفين إلى العملية الإبداعية ليعبروا عن ذاوتهم وخصوصيتهم وتفردهم.

هناك أسعدتني الظروف بأن أتعرف على كبار شعراء حماة منهم الدكتور وجيه البارودي الذي كان وديا جميلا رائعا مقحاما – اجتماعيا-وبالغ الظرافة واللطافة، محدثا ونديما وصاحب نكتة حاضرة، وآخرون كسعيد قندقجي ومنذر لطفي ووليد قنباز والكاتب المثقف الموسوعي عبد الزاق الأصفر، وكانت معظم لقاءاتنا تجري في المركز الثقافي وسط المدينة سواء إبان النشاطات الثقافية المختلفة أو لمجرد الزيارة واللقاء والحوار.  لكن عايشت حدثا نوعيا أثمر عطاءات مميزة، وهو تعرفي إلى نادي الفارابي الفني في حماة…أذهلني في زياراتي الأولى أن أعضاء النادي فنانون حقيقيون موسيقيا ومسرحيا… فنانون بكل ما تحوي هذه الكلمة من معنى… وفي حماة استمعت لأول مرة إلى عزف وغناء من فناني الفارابي بشكل احترافي رائع ولا أزال أذكر ذات ليلة أنني استمعت لهم وهم يؤدون أغنية “عنّابي” فظننت أنني أمام فرقة كارم محمود حقا وعلى خشبة مسرح أحد دور السينما، فابتهجت كثيرا خاصة أنني كنت في تلك الفترة أكتب وألحن بعض الأناشيد والأغاني الثورية، وهناك تعرفت إلى سمير الحكيم المخرج الممثل الفنان الذي سرعان ما غدا صديقا حميما وكأنما شعر كل واحد منا أن لدى الآخر صدى من روحه ما فتح المجال لتعاون نوعي.

 

الأرنب الذئبي مشروعا

شعرت أن سمير الحكيم شاب موهوب مميز بالفعل، وبعد عدة لقاءات ومناقشات حول المسرح بات يزورني باستمرار، ويشكو لي في بعض الأحيان همومه ومعضلاته المسرحية نتيجة الوضع الاجتماعي وخاصة مشكلة إيجاد من يقوم بالدور النسائي حتى أنه أسر لي ذات مرة أنه اضطر أكثر من مرة إلى إعطاء دور المرأة إلى شاب حيث قام بوضع مكياج له وباروكة على رأسه، وكان أحيانا يتخلى عن فكرة تبني مسرحية محددة إن كان فيها أكثر من دور نسائي، بل واضطر ذات حين إلى مجازفة حقيقية بتدريب إحدى قريباته سراعا لإنقاذ أحد العروض  …وكنت قد أنجزت قسما كبيرا من مسرحية الأرنب الذئبي وقرأت عليه بعض مشاهدها فقال بحماس: هذه المسرحية لنا، ستكون غريبة بعض الشيء عن الجمهور نتيجة طبيعة بنيتها، وربما ستتعرض لانتقادات حادة، فالجمهور لم يتعود على نصوص كهذه، ولكن يمكن توظيفها بشكل جميل جدا بل ومثير أيضا…

في اليوم التالي زارني سمير ومعه الفنان عادل شكري الذي قال لي على الفور لقد حدثني سمير عن المسرحية ونحن جاهزون لتنفيذها وعرضها، خلِّها لنا، جميل جدا أن نغير طبيعة الأداء المسرحي قليلا ونقدم عرضا يعتمد التحليل النفسي… جلسنا من جديد عدة ساعات نقرأ المسرحية، وكنت استمع بانتباه إلى بعض الملاحظات وآخذ ببعضها، فأغير هذه العبارة أو تلك أو أضيف قليلا لتوضيح مشهد بدا غامضا نوعا ما لهما ، وكان سمير كثير التساؤل والاستيضاح حول دقائق الأمور ومسار الصراع وتصاعده، ولفت نظري إلى أمر هام فعمقته، ذاك أن سمير كمخرج مسرحي كان يجسد النص أثناء القراءة ويتخيله حركة وأداء على الخشبة لذا كان حريصا بحسه أن يجسد الصراع النفسي حول ازدواجية الشخصية ” الانفصام”،  أي أن بعض أحداثها تجري في الواقع داخل نفسية وشخصية البطل الرئيسي الذي تتنازعه شخصيتان:  شخصية طيبة نقية شعبية بسيطة، وبالمقابل شخصية متسلطة شريرة نفعية، ويبرز هذا الصراع في البطل الرئيسي وهو مسؤول كبير…

 

التدريب والتقمص

في غضون ذلك قمت بزيارات استشارية إلى صديقي الكاتب المسرحي المبدع فرحان بلبل في حمص، وكان من عاداتنا أن يقرأ أحدنا على الآخر آخر نتاجاته ليسمع الملاحظات نتيجة ثقة متبادلة كبيرة، خاصة أن لفرحان تجربة غنية مميزة في المجال المسرحي ما يجعله حجة وموئلا بجدارة، فقرأت عليه المسرحية بوجود صديق دائم نناديه عادة باسم “أبو هيثم” وهو صلاح بدوية… راقت المسرحية لفرحان ومن البديهي أن يوجه كمثقف مسرحي موسوعي بعض الملاحظات المفيدة وخاصة ضرورة توسيع دور الكهل قليلا كونه ليس شخصية واقعية بل يمثل حكمة الحياة والمبدأية في السعي لتغيير الواقع المعاش،  وتوقع أيضا أن تلاقي المسرحية انتقادا نتيجة طابعها الريب نوعا ما على الجمهور، وأضاف ولكن هذا أمر طبيعي لعمل كهذا” قام فرحان بلبل مشكورا بعد ذلك باقتراحها على فرقة عمال طرطوس كما أذكر”…

بت أكثر قناعة بضرورة المضي حتى النهاية بعد تقييم فرحان بلبل الذي اعتد برأيه، كما شجعتني المواهب التي رأيتها في فرقة نادي الفارابي في حماة بالعمل على إنجاز المسرحية بشكل نهائي مستفيدا من الملاحظات التي وإن كانت قليلة إلا أنها دعمت البنيان المسرحي في النص، وتكررت اللقاءات مع الفنانين سمير الحكيم وعادل شكري الذي سرعان ما اقتنعت تماما أنه مناسب جدا بشخصيته وحيويته، وحتى مظهره الخارجي الوسيم، كي يؤدي دور بطل المسرحية الرئيسي والذي كان اسمه عدنان. كنت أسكن في غرفة فوق السطح في أحد أحياء حماة، وهناك تحديدا تم الاتفاق بيني وبين نادي الفارابي على إخراج المسرحية لصالحه…بحيث يأخذ عادل شكري دور البطل الرئيسي الطيب الغيري، وسمير الحكيم دور ظله الذي يمثل شخصيته النفعية الشريرة المسيطرة… وفي غرفتي المتواضعة الصغيرة على سطح ذاك البناء كنت أقوم بنفسي أحيانا أمامهما بتمثيل بعض حوارات عدنان والظل،  وخاصة المونولوجات مشددا على أن دورا هاما جدا يعود لهذه المنولوجات، وحتى طبيعة تغيُّرِ رنة صوت عدنان وظله، وكان سمير أحيانا يتبنى تماما ما أقترحه ورؤيتي لطبيعة إخراج هذا المشهد أو ذاك، وأحيانا يعارض ويقترح صيغة مغايرة نوعا ما في الإخراج وكانت معظم اقتراحاته هي الأفضل، وكانا بعدها يقومان باندفاع جميل بتمثيل هاتين الشخصيتين المحوريتين الأمر الذي ساعدني كثيرا في تعديل بعض الملامح للأبطال الرئيسيين تحديدا من خلال النقاشات مع سمير وعادل بعد أن تقمصا تماما شخصية عدنان وظله.

في فسحة النادي كانت تجري البروفات كل مساء، فمعظم أعضاء فرقة الفارابي من الطلاب او المهنيين أو الموظفين، وحرص سمير على أن يكون لدى كل ممثل نسخة من المسرحية، وأن يكون دوره مميزا بخط أكبر، وكنت أتابع أحيانا هذه التدريبات بسعادة غامرة، فسمير مخرج متمكن والشباب موهوبون حقا… وكان أحد الشباب يأخذ دور الفتاة فتنة إلى أن وجدنا فتاة مثقفة جميلة مناسبة جدا لهذا الدور، وكانت على ما أذكر من حمص واسمها سميرة ربما… وكان دورها صعبا تمكن سمير من تقسيمه إلى مرحلتين متمايزتين بحيث تؤدي أثناء البروفات لعدة أيام القسم الأول فقط حين يستغلها أصحاب عدنان  من الكومبرادور الذين يحومون حول “المسؤول” ويقترحون عليه المشاريع، ثم لعدة أيام القسم الثاني حين يكتشف لدى صحوة ضميره أنها أخته، ومن ثم عندما استوعبت “الممثلة سميرة” دور الفتاة فتنة تماما استوعبت هذا الانقلاب في الشخصية بات يُجري البروفات كاملة، وبعد قرابة شهر على ما أذكر دعاني لحضور البروفة النهائية للمسرحية بكاملها وكانت جميلة ومثيرة حقا، وقد أضفت حرفية ومهارة عادل شكري المسحة الجدية التي كنت أتمناها فقد تقمص الدور تماما حتى بدا أنه لا يمثل.

العروض

بعد أن اكتمل إخراج المسرحية أعلن عن عرضها الأول في كانون أول عام 1974 على خشبة مسرح المركز الثقافي في حماة، وكان القلق مسيطرا على الممثلين من خلال تساؤل داخلي كيف سيتقبل الجمهور هذه المسرحية التي تعتمد على “الشيزوفرينيا”، وإلى أي مدى سيستوعبها، وقد اختار سمير الحكيم ديكورا بسيطا رمزيا، وركز على الخلفية التي كانت تعبر عن شخص ممزق قطعا في خياله المنعكس في مرأة مهشمة لم يتهاوى زجاجها بعد، واختار بذكاء المؤثرات الصوتية للتعبير عن القلق والتوتر والصراع الداخلي وكذلك موسيقا تناسب المشاهد… امتلآت صالة المركز بحضور من مختلف الأعمار، وحقق العرض نجاحا جميلا شجع سمير وفرقته لتقديم العرض في العاصمة، فقمت ببعض الاتصالات ثم ذهبت إلى مسرح القباني وبعد تقديم بعض الطلبات المعتادة حجزنا المسرح دون إشكالات تذكر، وعرضت المسرحية عدة أيام متتالية، وكان جمهور دمشق متفاعلا أيضا، ولم يخل الأمر من انتقادات في الصحافة وخاصة من المسرحي رياض عصمت حيث اضطررت للرد عليه لأني شعرت أن الهجوم مفتعل ومبالغ به  في سجال حاد وخاصة في صحيفة تشرين حتى اتصل بي الدكتور غسان رفاعي الذي كان رئيسا للتحرير وصديقا لكلينا وطلب إيقاف هذا السجال!!! وحدث أن التقينا بعد ذلك أكثر من مرة وعبر عن أسفه معترفا بالمبالغة في الهجوم!

بعد عروض دمشق تم الاتصال بالمسؤولين بمدينة الطبقة والاتفاق  على تقديم المسرحية هناك وربما في الرميلان، للحقيقة لم أعد أذكر تماما، لكني أذكر أننا استأجرنا ميكرو باص لنقل أفراد الفرقة والديكور، وانتظرنا باكرا لاكتمال العدد حتى ننطلق في رحلتنا نحو منطقة الجزيرة إلا أن الممثلة الوحيدة تأخرت في الوصول قليلا، وبدأ التململ والقلق يبدوان واضحين على وجوه الشباب إذ لا يمكن عرض المسرحية من دونها، ودورها محوري وإن لم يكن رئيسيا، ، وكان سمير ينتظر عند مفترق الطرق على بعد مئة متر من الميكرو، كان يخفي توتره وينظر نحو البعيد محاولا تقصي ظهور الممثلة “سميرة”،  ساد وجوم وصمت متوتر على الجميع إذ لا يمكن أن نسافر من دونها، وفجأة صاح سمير بصوت ممدود وكأنه بحار يقف في مطل سفينة أعلى الصاري: اليابسة!!! فابتهج الجميع وما هي إلى دقائق حتى انطلقنا.

نشاطات مرافقة

كان شباب حماة عموما مثقفين ذواقين، وقسم كبير منهم من الفنانين المبدعين من طراز خاص، وكانت بعض الجمعيات الأدبية والمنتديات الخاصة تدعوني أحيانا لندوة أو أمسية أو للمساهمة في حفل ثقافي منوع، وأحيانا لمشاركات في تقييم عرض مسرحي وحتى لأمسيات شعرية… من ذلك أمسية لطيفة كنت ضيفا عليها وشارك فيها عدد من كبار شعراء حماة أذكر منهم الدكتور الشاعر وجيه البارودي والشاعر سعيد قندقجي، وألقيت يومها قصيدة قارع الطبل الزنجي التي أحدثت في حينها ضجة محببة في المدينة كونها نمطا غير مألوف، وفتحت مجالا لحوارات عديدة بين مؤيد ورافض للتجربة حتى أن سمير كان يعتبرها مسرحية متكاملة أو مشهدا دراميا تلفزيونيا مميزا، وكان يقول أنه لو كان مخرجا تلفزيونيا لأخرجها حتما، وقد نقل لي أن أحد مدرسي اللغة العربية سخر من القصيدة وراح يردد أمام طلابه “شنَّ اللبنُ…شن، شن” فضحكنا معا وأردف هذا يعني أنها تركت أثرا حقيقيا .  ذات مساء جاء سمير الحكيم إلي وقال يرغب الشباب في إقامة أمسية لك في منطقة الحاضر، وهو حي تقليدي شعبي أصيل، فوافقت رغم بعض التحذيرات بأنه حي متدين محافظ جدا… واصطحبني سمير إلى الأمسية فإذ بها في صحن دار عربي كبير مجاور تماما لأحد مساجد الحي حتى أن مئذنة المسجد كانت تطل فوق المكان الذي أعد لكي أقف فيه وألقي منه قصائدي، وبالفعل حدث ما لم نكن نتوقعه مسبقا ، فقد كنت منسجما في إلقاء إحدى القصائد الوجدانية وفجأة صدح صوت أذان المغرب أو العشاء… لم أتردد وتوقفت على الفور عن متابعة إلقاء القصيدة إلى أن انتهى الأذان، نظرت نحو سمير وعادل فهزا رأسيهما مبتسمين مرحبين بهذا التجاوب،  ولفت نظري أن بعض الحضور وقف مرحبا بالأذان ثم جلس، وبعضهم كان يقرأ الفاتحة… انتظرت قليلا بصمت واحترام وبعد انتهاء الأذان تماما تابعت إلقاء القصائد، وعندما غادرنا قال لي سمير أحسنت، لقد كان موقفك ينم عن احترام الناس الذين نحن في ضيافتهم وأردف: هذا أيضا عمل مسرحي على ارض الواقع، عندما يرتجل الممثل تصرفا غير مكتوب في السيناريو لإنقاذ العمل المسرحي من موقف غير متوقع.

كان المسرح في دمه

ربما لعبت المصادفة دورا حاسما فقد أمضيت جل خدمتي العسكرية كضابط مجند في القوات الجوية في مدينة حماة مما عمق الصلات إلى حد كبير مع سمير الحكيم وعادل شكري وفرقة الفارابي التي كانت شعلة حقيقية، وملاذا للمبدعين في مختلف المجالات بما في ذلك الموسيقية، بل إن الحركة المسرحية عموما في حماة كانت مميزة وأبرزت أسماء هامة في الفنون المسرحية كمحمد شيخ الزور وفرقة الفداء الفنية، ومصطفى صمودي الذي يمتاز إلى جانب كونه كاتبا ومخرجا مسرحيا بأنه موسيقي عذب الألحان والصوت ويعزف بمهارة على آلة العود…

في إحدى زيارات سمير لي في دمشق وكان الطقس لطيفا خرجنا في المساء نتجول وكان في حالة نشوة هنية استعاد خلالها ذكريات المراحل الأولى، فحدثني عن ممارساته للتمثيل منذ ان كان طفلا، وكيف كان حين أصبح فتى يبتكر مع زملائه المشاهد ويقدمونها للجمهور حتى في النادي الرياضي، وسرعان ما غدا ذلك هاجسا حقيقيا بما في ذلك عملية الإخراج نفسها، وكانت لديه آنذاك بعض المحاولات الكتابية  كذلك إلا أنها لم ترقَ إلى المستوى المطلوب حسب قوله، وفي ذلك دلالة هامة على تحليه بالموضوعية حتى تجاه نفسه، كنا نسير وكل واحد منا يأكل سندويشة فلافل، وإبان الحديث وحسب إيقاعه كان ينفعل فيسرع، أو يكون الحديث تأمليا فيبطئ، ويحرك يديه ويكثر من ” البانتوميم” -الحركات التعبيرية الصامتة، وأنا أتابع حالته بود وابتسم، أنهيت سندويشتي وأشرت إلى سندويشته في يده قائلا له هل آكلها عنك؟؟؟ فانتبه إلى أنه لم يأكل من سندويشته سوى لقمة واحدة، فضحكنا وتابعنا السير حالمين بكأس شاي وأنا أفكر هذا رجل يعشش المسرح في دمه…

أستعيد الشريط الآن فأتذكر أنني تابعت مسيرة سمير الحكيم وعادل شكري باهتمام بعد أن سافرت إلى موسكو، وأسعدتني نجاحاتهما في المسرح والتلفزيون والسينما وتنوع عطاءاتهما… وآلمني مرضه الذي تسارع حتى وصل إلى شلل نصفي لكنه أصر “كبافل كورتشاغين” على أن يتابع عطاءه حتى وهو في رمقه الأخير، حيث كان كما يذكر عبد الفتاح قلعة جي يتابع إخراج مسرحيته الأخيرة “وحش المدينة” وهو مشلول وكانوا يحملونه على نقالة ليوجه الممثلين… ظل سمير الحكيم وفيا لفنه حتى آخر نبضة في قلبه… وكذلك الفنان عادل شكري الذي سمعت مؤخرا أنه رحل كذلك… لروحيكما السلام أيها الفنانان الأصيلان سمير الحكيم وعادل شكري، وكتابتي عن هذه الذكريات هي أقل ما يمكن من واجب الوفاء لكما كفنانين رائعين وصديقين حميمين!