انتحار الدلفين

البحر مناح الخصوبة
والملح رحم الإنسلاخ
ما سر طعم المر في
كأس العذوبة
من يصدق أن طبع البحر شاخ
صفى رسائله غماما للحبيبة
كاتما وجدا تجلى عبر آخ
لا تعذل الوديان إن أضحت جديبة
وابحث عن الديدان في شجر المناخ

الرمل مذ كانت شواطي البحر
يسعى لامتصاص الموج
والموج احتمالات يعود
مستوجعا مرجانه يعطي الشواطي
شكلها ألق التجدد
طافحا زبد الزفاف
ماذا جنيت؟
يا رمل من طقس افتعالات الرعاف
مار العبيق وأتلف الإعصار
محرمة النسائم في الضفاف
واخترت أن تخفي سعال الملح
منهدا بمنديل الجفاف

هذا زمان المغناطيس
عصر انجذاب الأزمنة
عصر انسياح الأمكنة
تتداخل الألوان بالألفاظ
تحتمل المعاني ضدها
سمتا بلا ضلعين
غربا
شمالا
أو جنوبا للشروق
غر…شم…جنو…ق
غرشمجنوق طلاسم بين الحروف ملونة
غرشمجنوق تصوف الأنذال
باسم الديدنة
غرشمجنوق مسافة ما بين
أنبل نبضة في القلب تندى
والتحول خائنة
غرشمجنوق… وحين بوصلة الوفاء
تتخطى الزمكنة…فالمسافة ممكنة

البحر روح ثائرة
قد ضيعت إعصاره في الليل
أحداق الفنار الحائرة
وأنا حنيني نازفا ما ضيعه
معي النوارس وابتهالات المياه
معي احتراقي مبعدا وأنا معه
يا رمل لن تغري المحار
في أن يغير موضعه
هو لؤلؤ في العمق أنقى
أو يدار
بحرير حضنك قوقعه
ما انفك يلتحم الحصار
يتحالف الملح المشرش والغبار
حلم اشتعال الزوبعة
حولي وأنتظر القرار
شمع ابتهال الصومعه
فأنا شهودي البحر والشمس
وأحداق الصغار
تدري احتراقي للنهار
صليته…ما أروعه

يا طائر البطريق
يا راهب الصقيع
آمنت بالدلفين كرمى للربيع
متقافزا قرب الزوارق
ينقذ الغرقى وأحلام الشراع
متحفزا وسط العواصف يفلت
الأسراب من كهف الضياع
مدد مدد
بزعانف الدلفين سيجت الأبد
مدد مدد
قاتلت خلق الله حتى لا يؤثروا
عن سنه المنخور در القرش
عقدا للبلد
وأقول يا امرأتي لنا جلد
من الدلفين أبقى
شمع من الدلفين أنقى
وأراه عوليسا يشد القوس بعد
إيابه …وخصومه الصرعى
تبدل جلدها قرشا تؤول
فيعود دلفينا شهي الوثب
يسعى خلفها بين الصخور
دخلت عصور في عصور
وعرائس البحر استعادت
طلسم المقدور
أوليس محض رهان
أسرته أغنية الحسان
والطيف في الموشور
مزجت به الألوان
في الأخضر الورقي يختزل الزمان
في الأحمر الأفقي يعتزل المكان
في الأبيض النفقي …قد كان يا ما كان
القرش والدلفين يأتلفان
فبأي آلاء ربكما تكذبان
دخلت عصور في عصور
وانساح كأس النور في التنور
ومثلثان تداخلا في نجمة
خطت مسار الصولجان
والطحلب الرخو البليد
يؤدلج الإذعان: محض تقارب لمثلثين
يهيم يستجدي لأسماك المحيط
كقارئ الفنجان بخت المشط
والسلور معتدا ببرج الحوت والسرطان
ويجي زحف الدود للكثبان
يا طائر البطريق باسم أي عدالة
يتقاطر اللبلاب والشوك الهجين
ولا يعود الأقحوان
ألنزفنا الصبر الجميل محنطا
ولهم غمامات الجراد وجحفل الجرذان؟
في دعوة للرقص والحبار ينفث
في المدى وجع الخليج أوان سطرت
العصافير الجليلة بالحجارة
دفترا للمهرجان
وجمي نشيد المهرجان
من أعين الأطفال عقد نضدوه
لعنق سالومي بسلك شائك
لتجن رقصا فوق أشلاء الطيور
وبين كفيها إناء طافح بالدم
هل من عاقل يحكي عن النقش
البديع على الإطار ولا يرى
في الصحن رأس المعمدان؟

يا سيدي الدلفين قل لي
أين أمضي بارتعاشات الأغاني
وغبار طلع الحلم في غصن الأماني
لجلالك البحري يوم الامتحان
جلدي بأقبية الصقيع مشاتل
من خيزران
واليوم يسألني السمك:
أنا باسم أي محارة أرمي بنفسي
في الشبك؟
الله أكبر يا سمك
هذي بيوضك في الشرك
سأظل أقضم باسم سربي
موجعا عقد الحبال
حتى وإن لم يبق في سوى الحسك

فلنحتكم للموج يتلو من كتاب الذاكرة
البحر يرفض أن يبارك
في المدى جزرا من المرجان تفصل ساحلين
لم يعترف يوما بتنقيط الحدود
ولم يشارك
في السطح حينا بعد حين
تبدو نفايات اعترام العابرين
ويظل في الأعماق ناسك
هو كعبة للعشق طواف بها سرب الحنين
لا يسأل الأسماك عن ختم الجمارك
البحر للعشاق ساحة
بالحب لا بالعنف تستهوي جماحه
هل يدرك الحبار إذ يجتاحه
أن لن يؤوب محملا إلى جراحه
البحر للعشاق ساحة
ما قسمته خطوط أطلس
أو مقاييس المساحة
لا يخدعنك الشق من نصل السفين
إذا استباحه
وانظر إذا عبر السفين أترى جراحه
لم تستطع حتى أساطيل الدمار
أن تمنع الأسماك عن لثم الوصال
باسم قانون الملاحه

الأفق يلعق ما تبقى من حليب الضوء
في ثدي السماء
والشط جلد راجف يمتد تحت
البحر والبحر انتماء
وعلى المدى صحو وشيك النوء
يلهج بالنداء
ها إنني أرتج بالرؤيا جنينا
زملوني
ما البحر
ما الدلفين
إلا محض زلفى
لا شيء أعمق من عيونك
غب امدى لا شيء أصفى
قلبي ولاء
إن شئت شاء
وأنا هنا وقت تحاول
أن تشرده العقارب خلف
ميناء الزمن
روحي صليب الشوق في خشب المنافي
فليقرأ البحر اعترافي
جسدي بألواح الصليب
قد نز خارطة الوطن