ما من أحد يستطيع تكذيب زرقاء اليمامة المعاصرة في الفضاء الخارجي

ما من أحد يستطيع تكذيب زرقاء اليمامة المعاصرة في الفضاء الخارجي

• من أهم شعارات النازيين الجدد تنقية أوربا وطرد المسلمين والعرب وجميع الأجانب.
• الناتو هو الذي بدأ الحرب عمليا والشعب الأوكراني ضحية لمطامع واشنطن وأوروبا مجرد تابع فاقد الإرادة

“تنقل لنا روايات الأقدمين أن زرقاء اليمامة -ثاقبة النظر- حذرت قومها من أن غابة تسير نحوهم لقتالهم وأخذهم على حين غرة “جنود متخفون بأغصان الشجر” فلم يصدقوها، ووصل الأعداء ودمروا البلد واقتلعوا عيني زرقاء اليمامة…”
مفارقات صارخة:
زرت أوكرانيا أكثر من مرة والتقيت بعدد من أدبائها وشعرائها أواخر أيام الاتحاد السوفييتي، ورغم أنهم جميعا تقريبا حاولوا إظهار مدى التفاعل مع المبادئ الأممية كانت تجاربي في الشارع تدل على غير ذلك خاصة الطلبة العرب الذين التقيت بهم هناك كانوا يشتكون من ظاهرة التطرف القومي عند بعض الأوكرانيين، وجميعهم بلا استثناء كانوا يقولون أن منطقة غرب أوكرانيا “هتلرية” لا علاقة لها بالاتحاد السوفييتي، ومن عاش ودرس في أوكرانيا يعرف هذه الحقيقة حتما! ومع ذلك تمت المحافظة على التعايش السلمي بين فئات الشعب الأوكراني باختلاف مشاربهم الفكرية.
يبدو لي من خلال التعليقات التي تأتيني على منشوراتي في الفيس حول الأزمة الأوكرانية أن أصحابها إما لا يعرفون نهائيا هذا الواقع، أو أن بعضهم يعرف، ولكنه ينطلق من المثل القائل “عنزة ولو طارت”.. لذا أوضح باختصار أنني طبعا ضد الحرب، ولكن قد تفرض الحرب فرضا، وهذه الحرب فرضها الناتو لتحقيق مصالح واشنطن والاتحاد الأوربي تابع فاقد الإرادة، وهي الآن رغم آلامها تسير باتجاه تغيير منطق هيمنة القطب الواحد، وآمل أن تنتهي بأقل الخسائر، ثانيا الشعب الأوكراني ضحية حقا، ضحية مغامرات واشنطن وتبعية الغرب المطلقة! ومؤلم بالنسبة لي طبعا مقتل الأبرياء في طاحونة هذه الحرب سواء في وسط أو حتى غرب أوكرانيا، وكذلك الضحايا التي كانت تسقط منذ ثماني سنين وما زالت حتى الآن في شرق أوكرانيا نتيجة قصف القوات الأوكرانية وتنكيل كتيبة آزوف بسكانها، والمفارقة التي تلفت النظر هي أن عددا غير قليل من العرب والمسلمين المعادين لروسيا، وخاصة من المعارضة المتطرفة السورية الذين يؤيدون النازيين الجدد فقط لأن بوتن ساعد الجيش السوري، في حين أن أحد أهم شعارات النازيين الجدد في أوربا هو طرد المسلمين والعرب، والأجانب عموما، ناهيك عن أنهم بذلك شاؤوا أم أبوا يؤيدون عمليا الدول التي استعمرتهم عشرات السنين، وأذلتهم وسرقت خيراتهم، ومن ثم جعلت معظم دولهم ألعوبة تابعة لها.
نعم الشعوب قد تخدع بشعارات زائفة
قد يسأل أحدهم، هل يعقل أن يكون الشعب متطرفا ومستفِزا؟
أجيب بالطبع لا يمكن أن يكون كل الشعب متطرفا ومستفِزا، ولهذا نأسف ونتألم تعاطفا مع معاناة الملايين من الشعب الأوكراني، ولكن قد يكون جزء من هذا الشعب أو ذاك متطرفا ومستفزا وكذلك الحال بالنسبة للشعب الأوكراني، وقد يغدو هذا الجزء ضمن ظروف محددة هو المسيطر، بل ويمثل قسما غير قليل من السكان! ربما يبدو هذا الكلام خطيرا، أو مبالغا به!… لا أبدا هناك أمثلة توضح أن ذلك يمكن أن يحدث هذا الوضع حين تكون هناك أرضية مساعدة كالمشاعر الدينية أو القومية، وتساعدها ظروف خاصة كوصول تجمعات أو أحزاب هذا الاتجاه إلى السلطة، وتكريس آلة الدولة الإعلامية والاقتصادية والثقافية والعسكرية لهذا الغرض كما هو الحال في ألمانيا الهتلرية قبيل الحرب، وكما هو الحال بالنسبة لإسرائيل! ومن هنا كما يبدو ركز زيلينسكي على أن أوكرانيا باتت بمثابة إسرائيل الكبرى، وليس بمعنى المحرقة التي تحدث عنها، واستنفر حتى الإسرائيليين ضد هذه الفكرة، بل من حيث توظيف كل الإمكانيات لشحن الشعب الأوكراني بالمشاعر القومية المعادية لروسيا حتى النخاع الشوكي! ودعم الدول الأوربية والولايات المتحدة ذات التاريخ الاستعماري العدواني لها وضخ كميات هائلة من الأسلحة لها كخط مواجهة مباشر ضد روسيا، بمعنى أن الولايات المتحدة والناتو يقاتلان روسيا عمليا ولكن بالجنود الأوكرانيين.
الحقيقة ساطعة:
كن إن شئت ضد روسيا أو ضد بوتن، كن كما تشاء، ولكن إن شئت أن تصحو ولو بعد حين لتدقق مواقفك وتصححها لا تكن ضد الحقيقة، فالحقيقة موجودة بمعزل عنك وبغض النظر عن تقييماتك، وستعبر عن ذاتها مهما كان موقفك! نعم الناتو أراد استكمال حصار روسيا ولم يكن ينوي توجيه كل أسلحته ضد “جزر القمر”!! فلنستشر زرقاء اليمامة المعاصرة، ليس في الأمر جنود يتخفون بأغصان الشجر، بل قوات حقيقية بأسلحتها المتطورة ودباباتها وطائراتها وصواريخها وبُناها التحتية ترصدها الأقمار الصناعية، وقد باتت تحاصر روسيا من كل صوب تقريبا ” بولونيا ، استونيا لاتفيا ليتوانيا رومانيا بلغاريا سلوفاكيا سلوفينيا” ولا يخفي أساسا هذه الحقيقة لا الناتو الذي يرسل قواته باعتبار هذه الدول باتت جزءا منه ولا الدول التي تستقبل هذه القوات، وتسمح لها بإقامة قواعد فوق أراضيها، هذا رغم أن الغرب وعد غورباتشوف شفاها “كزعيم حارة”، بألا يتمدد الناتو شرقا! “ويقال أنه حلف بشرفه، بل ومسك شاربيه وهو يقسم”!!
فلنضع نقطة، ولنبدأ من أول السطر… لم تعد روسيا تستطيع تحمل هذا الحصار الذي يضيق الخناق عليها، فحذرت من ضم أوكرانيا، وطالبت بضمانات أمنية من الناتو وواشنطن فرفض طلبها، وكانت أوكرانيا قد مضت خطوات بعيدة جدا في إحياء النازية الجديدة التي تشكل خطرا وجوديا على روسيا، وحتى على الغرب نفسه الذي عانى من النازية، ولكن هناك منطق عجيب سائد حاليا لدى زعماء الغرب وهو استخدام أعداء الإنسانية ضد الخصوم، ومحاولة ضبطهم ليكونوا جندرما لهم لاستخدامات لاحقة كما هو الحال بالنسبة لداعش!!!

فلنوغل خطوة أخرى:
كما هو معروف تعتمد النازية (وكذلك حليفتها الفاشية) على الشوفينية والتمييز العرقي، وقد عانت منها البشرية ، ودفعت ثمنا باهظا جدا حتى تخلصت من هذه الآفة في الحرب العالمية الثانية، وكان منطق الأمور أن تسير جميع الدول نحو جعل الأمم المتحدة المحامي الإنساني الأول، لكن الذي حدث هو أن الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة أنشأت حلف شمال الأطلسي الناتو في أبريل عام 1949 لمواجهة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية، ومن ثم أنشئ حلف وارسو في مايو عام 1955، إلا أن الاتحاد السوفييتي تفكك على يد غورباتشوف ويلتسن عام 1991، وتم حل حلف وارسو والابتعاد عن الشيوعية نهجا في روسيا وفي دول الكتلة الشرقية التي تلاشت هي الأخرى، فلماذا يبقى حلف الناتو؟ بل ويتوسع ويحاصر روسيا التي لديها أقمارها الصناعية ولم تعد تعتمد لا هي ولا غيرها على زرقاء اليمامة القديمة…
النازيون الجدد لا ينشطون في أوكرانيا وحدها، ولكن نشاطاتهم بتبني شعارات النازية علنا محظورة في الدول الأوربية وخاصة في ألمانيا، ولكن مرحب بها في أوكرانيا التي ضمت التنظيمات النازية إلى جيشها فأعطتهم مصداقية قانونية. والنازية الجديدة لا تخفي عدائها لليسار وللقوميات الأخرى والمسلمين وتنادي بطرد الأجانب من أوربا. وهم قليلو العدد سواء في ألمانيا وحتى في أوكرانيا لكن السلطات القريبة منهم فكريا شجعت تنامي هذه الظاهرة، والتي يمكن وصفها بأنها أحد أجنحة اليمين المتطرف، والنازيون الجدد منتشرون في جميع الدول الأوربية بنسب متفاوتة.
هتلر ليس محتلا :
ليس سرا أن قسما غير قليل من سكان غرب أوكرانيا وخاصة مدينة الفوف كانوا لا يعتبرون هتلر محتلا بل كانوا يقاتلون إلى جانبه، وكان زعيمهم “بانديرا” 1 لا يخفي نشاطاته هذه، ويقاتل الجيش الأحمر لصالح النازيين، وبعد تصفية بانديرا استمرت حالة التطرف هذه بشكل سري إبان الاتحاد السوفييتي الذي قمع ظاهرة الشوفيينية وأفكار التفوق العرقي، ثم انتعشت هذه التوجهات بشكل متسارع بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وخاصة في أوكرانيا ودول البلطيق، في هذه الظروف الخطيرة وخاصة إثر الدعاية المذهلة ضد الاتحاد السوفييتي وجد الفكر النازي متنفسا له من جديد، وبدأ أنصاره يتزايدون ويشكلون تنظيماتهم في مختلف الدول الأوربية، لكن الأمر في أوكرانيا أخطر بكثير حيث تم شحن الفكر النازي الجديد انطلاقا من سباق التتابع في طعن الاتحاد السوفييتي وتشويه تاريخه الذي بدأه غورباتشوف ويلتسن وبالتالي وريثته روسيا، وتابعه وعمقه النازيون الجدد فأصبح كره روسيا والحقد عليها بالنسبة للنازيين الجدد مقياسا أكثر بما لا يقاس مما لدى النازيين الجدد في أوروبا، واستمر هذا الشحن ربع قرن من الزمن، ومع ذلك تعايش الأوكرانيون بسلام إلى أن انفجرت أحداث الميدان التي تدخلت فيها الدول الغربية بصفاقة غير معهودة حتى أن نولاند مساعدة وزير الخارجية الأمريكية، كانت توزع الفطائر علنا على المتظاهرين ضد الحكومة التي كانت تعتبر موالية لموسكو ، وتم الانقلاب بالقوة بعد خذلان الدول الضامنة لاتفاق الرئيس يونوكوفيتش مع المعارضة، وكأنما كان هذا الاتفاق فخاً مرسوما حيث نقض في اليوم التالي وتم الاستيلاء على السلطة بالقوة عبر التخريب والقتل والفوضى، وكان من البديهي ألا يستكين سكان شرق أوكرانيا، ورفضوا السلطات الموالية للغرب في كييف وغالبية سكان شرق أوكرانيا من روسيا وكذلك في القرم مع ملاحظة أن هذه المناطق منحت لأوكرانيا إداريا في فترات سابقة وهي أراض روسية تاريخيا”،
كتيبة آزوف:
أسس أندريه بيليتسكي “2” الذي يؤمن بتفوق العرق الأبيض كتائب آزوف عام 2014 وكان لها حضور قوي في مدينة ماريوبول حيث استطاعت قوات آزوف استعادتها في نوفمبر تشرين ثاني عام 2014 من الموالين لروسيا، ولم تقتصر توجهاتها على معاداة الروس علنا بل، والممارسات الرهيبة الإجرامية حيث تؤكد معظم المعطيات أن عناصر آزوف هم الذين أحرقوا المتظاهرين ضد نظام كييف الجديد في أوديسا وهم أحياء. وعناصر آزوف لا يخفون توجهاتهم النازية وحتى شعاراتهم تمجد النازية وعندما غدا يوشينكو رئيسا لأوكرانيا منح بانديرا الذي حارب مع هتلر لقب بطل أوكرانيا القومي، والغريب في الأمر أن جماعات القوميين الأوكران بقيادة بانديرا كانوا قد قاموا بمذابح حقيقية ضد البولونيين وخاصة في قمع انتفاضة وارسو عام 1944 “3” ناهيك عن انهم كانوا يساعدون الألمان في القبض على الذين يحاربون هتلر ويشاركون بإعدامهم، وشارتهم التي يستخدمونها اليوم كانت تستخدمها الفرق النازية في الحرب العالمية الثانية، وكثيرا ما يرسم أعضاؤها الصليب المعقوف على قمصانهم، وكانت لعناصر هذه الكتيبة ممارسات إجرامية في البدايات بما في ذلك عام 2016 في نهب بعض البيوت والاغتصاب مما دفع بمنظمة حقوق الإنسان إلى اتهام آزوف بانتهاك القانون الإنساني الدولي، وقام عناصر آزوف عام 2018 بإطلاق النار على مخيمات الغجر في ضواحي كييف لطردهم باعتبارهم مرتبة أدنى من العرق الأبيض، ثم وقع عام 2019 أربعون عضوا من الكونغرس الأمريكي نفسه عريضة يطالبون فيها بوضع آزوف في القائمة السوداء باعتبارها منظمة إرهابية. وكانت واشنطن قد منعت التعاون مع آزوف او تدريبها عندما كانت ميليشيا، ثم انضم إليها متطوعون أجانب طبعا من نفس التوجهات الفكرية، ورغم كل ذلك رفعت الولايات المتحدة مع مرور الوقت الحظر عن آزوف.
الأهداف الخافية للولايات المتحدة شبيهة بحمل المرأة الحامل سفاحا والتي تحاول ستر بطنها بأثواب فضفاضة، لكن الولد غير الشرعي سيظهر بعد حين مهما حاولت إخفاء فعلتها… ولهذا تصر واشنطن على متابعة القتال وتشير على الأوكرانيين أن يتراجعوا عما تم الاتفاق عليه في إسطنبول، ويستمر شحن السلاح إلى أوكرانيا بكميات غير معقولة حتى أن المسؤولين الأمريكيين أعلنوا بنوع من التباهي أن ما أرسل من السلاح لأوكرانيا يكفي لتكون عشرات الصواريخ في مقابل كل دبابة روسية ! ماذا يعني هذا، أولا تنشيط لشركات السلاح، وتشجيع لتطوير جيوش الدول حول روسيا بحجة أنها ستكون وليمة سهلة لروسيا إن لم تتسلح، وعليها أن تشتري السلاح بمئات مليارات الدولارات، والقسم الأكبر طبعا من شركات السلاح الأمريكية، يترافق ذلك مع فرض الحصارات الاقتصادية لترويج البضائع الأمريكية بما في ذلك الغاز المسال!! ولهذا يهم واشنطن استمرار هذه الحرب وهي مستعدة لقتال روسيا حتى آخر جندي أوكراني.

هوامش:
1- ستيبان بنديرا من مواليد 1909 غرب أوكرانيا، كان زعيم القوميين الأوكرانيين تحالف مع النازيين الألمان ضد الاتحاد السوفييتي، وقد اغتيل عام 1959.
2- أندريه بيليتسكي مواليد 1980 عضو في البرلمان الأوكراني أسس كتيبة آزوف القومية المتطرفة عام 2014 وأسس حزب الفيلق الوطني عام 2016 اعتمادا على المقاتلين القدامى في كتيبة آزوف .
3- انتفاضة وارسو 1944 حركة عسكرية كبرى قامت بها قوات المقاومة الشعبية في بولونيا بالاتفاق مع الجيش الأحمر لتحريرها من القوات النازية لكنها قمعت بشراسة.

 

https://alazmenah.com/index.php?page=show_det&category_id=9&id=278716