الشاعر أيمن أبو شعر يقرع أجراس الأمل.. اثنِ الركبة وانهض!

الشاعر أيمن أبو شعر يقرع أجراس الأمل.. اثنِ الركبة وانهض!

اثنِ الركبةَ وانهض

زهير مشعان

الشاعر أيمن أبو شعر من آخر الشعراء التقدميين والوطنيين الذين لم تهزهم الرياح الصفراء، رياح الليبرالية والتراجع والانهزامية والتكفير، وبقي ملتزماً برؤاه الفكرية اليسارية، وأن الاشتراكية هي درب الخلاص من وحشية الرأسمالية والظلم والنهب والفساد، ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية.

بعد غياب قارب عاماً ونيّفاً، يوم الأربعاء 29/9/2021 عاد الشاعر السوري التقدمي أيمن أبو شعر إلى ثقافي أبي رمانة في دمشق، والذي قدم فيه قبل أكثر من سنة ديوانه الملحمة أو الحولية (سلاماً مواعيد قلبي دمشق) وفي هذه المرة يعود في أمسية، قاصاً وشاعراً ومكرماً، حيث قام قبل الأمسية بتوقيع 3 مؤلفات، الأول: قصة للأطفال بعنوان (القمر المغرور) والفائزة باختيار أدب الأطفال السوفييتي، ونشرت بالروسية في كتاب الصداقة مع قصص من العالم عام 1987. والثاني: مجموعة قصص قصيرة وقصيرة جداً وومضات بعنوان: (اعترافات عاشقٍ أو العذاب الشهي) والثالث: مجموعة قصص روسية واقعية لها نكهة خاصة من ترجمته.

لقد سبق الأمسية إضاءة من الدكتور عادل فريحات على بعض القصص القصيرة في مجموعته الجديدة، وقرأ القاص الفلسطيني حسن حميد بالنيابة، رسالة من الشاعر الفلسطيني رشاد أبو شاور، الذي تعذر عليه الحضور.

حضور مختلف

رغم الحضور الكثيف وامتلاء صالة المركز الثقافي في ثقافي أبي رمانة، إلاّ أن هذا الحضور كان في غالبيته من اليساريين، والبعض من النخب الثقافية، الذين عاصروا الشاعر أبو شعر سابقاً منذ بداياته في السبعينات، والذي كان الحضور فيها لأمسياته شعبياً وجماهيرياً وخصوصاً في مدرجات جامعة دمشق، من طلبة الجامعة والشباب، وهذا له أسبابه وظروفه وزمانه.

إضاءةٌ ورسالة

الإضاءة التي قدمها د/ فريحات على مجموعته القصصية، اقتصرت على الجانب العاطفي كالحب والأخلاق وبعض الدلالات الرمزية للمفردات والمواقف.

أما رسالة الشاعر الفلسطيني رشاد أبو شاور فقد أشادت بقدرة الشاعر أيمن أبو شعر الشعرية وموقفه الثابت من القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، مع إشادة بشاعرية أيمن منه ومن الأديب حسن حميد.

الإضاءة والرسالة لم تتطرقا بعُمقٍ لمواقف أبو شعر الإنسانية والطبقية والوطنية والعلمية والروح النضالية الثورية والكفاحية التقدمية في أشعاره ودواوينه السابقة، كما لم تتطرقا لذلك في مجموعته القصصية الجديدة، رغم أن الشاعر تطرق لها في أمسيته وتقديمه لها، حيث أكد على معاناة السوريين المعيشية من الغلاء والفقر والأزمات التي تتعاقب عليه من محروقات وغذاء والفساد، وكذلك ربطه ومساواته بين ممارسات الفساد والتنظيم التكفيري داعش.

إلقاءٌ قصصي بنكهة شعرية

بعد الإضاءة والرسالة قرأ أيمن أبو شعر عدداً من القصص القصيرة في مجموعته القصصية الجديدة بإلقاء وبتفاعل متميز كما إلقائه الشعري والذي شد الحضور وتفاعل معه بإيقاعه، وهذا له جذوره الموسيقية لديه وليس اللغوية فقط، فهو ملحن وعازف موسيقي، وله العديد من الأغاني الوطنية والطبقية، وهذا ما لا يعرفه الكثيرون عنه، ومن القصص، قصة حول الكثير من الشهداء السوريين خلال الأزمة الذين لم تعرف لهم جثامين وقبور على لسان أمّ فقد ابنها، وقصة أخرى ذات طابع رمزي وفكاهي.

أما قصائده الأربع الجديدة التي ألقاها، فلم تخرج عن إحساسه بمعاناة الشعب والسوري ومواقفه الإنسانية والطبقية والوطنية، وروح مفعمة بالتفاؤل، وبعنوان (اثنِ الركبة وانهض) حيث بقيت رؤاه الفكرية وازدادت عُمقاً ولم يتخلله اليأس من التغيرات العالمية التي حدثت خلال العقود الماضية من تراجع في الحركة الثورية، كما حدث لدى الكثيرين، بل يؤكد ما قاله المسرحي السوري سعد الله ونوس: أن ما يحدث ليس نهاية التاريخ وأننا محكومون بالأمل، وهو اليوم قرع أجراس الأمل، ويدعو للنهوض، كما كان قد قرعها سابقاً في بداياته في قصائده كما في قصيدته: قارع الطبل الزنجي.

بقعة ضوء على القصص

المجموعة القصصية للشاعر أبو شعر والتي عنوانها (اعترافات عاشق أو العذاب الشهي) وتضم 100 قصة قصيرة وقصيرة جداً وومضات، تؤكد ما ذهبنا إليه في البداية بأن الشاعر أيمن لم يتخل عن رؤاه الفكرية ومواقفه ضد الظلم والاضطهاد والفساد، رغم كل الظروف التي مرت والأزمة التي عانى ويعاني منها الشعب السوري، وتمسكه برؤاه، بل زادته التجربة عُمقاً وصلابةً، ونختار بعض القصص ونسلط عليها بقعة ضوء، والتي تؤكد ذلك:

  • الكتابة بالضماد: القصة رقم 1 تعبر عن شخصية الكاتب وألمه من الحرب في سورية والدم السوري الطاهر الذي سال وتضحيات الشعب، والتي أراد التعبير والكتابة عنها، وبدأ يجمع أفكاره وأمسك بقلمه ودفتره فلاحظ أنه بات ينز دماً لمجرد تفكيره بذلك، فقرر أن يكتبها بالضماد.
  • الحرب ليست مجنونة فحسب: القصة رقم 7 وتناولت ويلات الحرب وانعكاساتها على قيم المجتمع، وتعاطف مصابي ومشوهي الحرب مع بعضهم.
  • بوابة الخلاص: القصة رقم 35 وتحدثت عن معاناة الناس في المجتمع كسجنٍ كبير، وتوقهم إلى الحرية وبحثهم عن الأمان.
  • طلقتان في الرأس: القصة رقم 36 وفيها يصبح المعارض اليساري الضحية متهماً ويقتل برصاصتين في الرأس، والمحكمة تبرئ القاتل بقرارها (يُبَرّأ خِنجرُ القاتلِ، وتُشنقُ جثةُ المقتول!).
  • كوابيس أبي عامر: القصة 45 والتي تجسد هروب أبي عامر من الواقع المرير نتيجة الجفاف الذي أهلك نصف الزرع، إلى الحلم بالصحو وانبعاث الحياة من جديد، وتعلق آماله بالسد، لكن السيول التي داهت القرية باتت تهدد السد الذي بدأ بالتآكل، وتحولت (أحلامه) إلى (كوابيس) وخوف من انهياره وحتى تصدع روحه، وهو يُحدّث ابنه عنها وتوجهه بـ (الدعاء) علّ الله ينقذهم، فيكون جواب ابنه له: أعذرني يا أبتي، وبدأ ينادي الجميع بصوته، وأردف قائلاً: سأوقظ أهل البيت وكل الجيران لنتوجه جميعاً إلى السد، فهو بحاجة للترميم لا الدعاء!، ورغم رمزية القصة إلاّ أن دلالاتها واضحة في رفض الاستسلام والفكر الغيبي، وأهمية العمل والمواجهة الجماعية للكوابيس التي تهدد الوجود.
  • العذاب الشهي: القصة رقم 56 وعنوانها كان العنوان الثاني للمجموعة القصصية، وتتحدث عن أيام النضال السري، وعذاب السجن، والذي يكون شهياً لارتباطه بأحلام النضال والتضحية مع الرفاق وعلاقاتهم، ومواجهة السجان في وجهه، وعدم الاعتراف بأسرار النضال والعمل لا أسماء الرفاق ولا الأماكن ولا المطبعة، بل هي (اعترافات عاشقٍ) للفكر والوطن والناس.

لفتة إخلاص:

في إهدائه للمجموعة، وقبل إلقائه لقصصه وأشعاره، ذكر الشاعر أيمن أبو شعر أصدقاءه والرفاق الذين رحلوا خلال فترة غيابه الأخيرة منذ سنتين، وهم القاص نصر الدين البحرة والمخرج ريمون بطرس، والذواقين والغريدين لأشعاره، عمران منصور ومحمد كيكي.

استمتاع موسيقي

في نهاية الأمسية والتكريم قامت الشابة لانا هابراسو بغناء قصيدة الشاعر أبو شعر (أفدي عيونك) من ألحان الموسيقي وليم الحسن، وأثر طول الأمسية وتأخر الوقت وضعف تقنيات الصوت في مدى التفاعل، رغم جمالية اللحن وإيقاعاته الحركية، وجمالية الصوت ودلالة الكلمات.

الواقعية الاشتراكية

تعبر هذه المجموعة وغالبية قصصها عن رؤية الشاعر ذات المنحى الإنساني والطبقي والوطني، وبأسلوب الأدب الملتزم، حتى وإن اتخذ بعضها طابعاً فكاهياً، وتعتمد على التقاط الحدث اليومي والتعبير عنه ببساطة ووضوح وبلغة فصيحة مشوقة تشد القارئ، لا هي بالعامية المبتذلة ولا هي بالمقعرة العصية على الفهم، وهي من الواقعية في الأدب، والتي لا تكتفي بتصويره فقط، وإنما تفتح أبواب البحث عن الحلول والخلاص الجماعي وليس الفردي واستشفاف المستقبل، هذه الواقعية التي تراجع عنها الكثيرون في زمن الحاجة لهم، أمام النمط الاستهلاكي والانتهازي في الحياة. وأبو شعر يُعيد لها الألق بمضمونها وجماليتها، ويُعيد قرع أجراس الأمل بالحياة والنهوض وعدم الاستسلام رغم كل المآسي التي عانى منها السوريون.

تعريف

الشاعر أيمن أبو شعر من الأدباء اليساريين الذين برزوا في بداية السبعينات وكان له حضوره الجماهيري في مختلف أنحاء الوطن، حيث وصل بكتاباته المتنوعة وأشعاره وأمسياته إلى حقل رميلان النفطي، أقصى شرق سورية، وله حوالي 30 مؤلفاً في الشعر والمسرح والدراسات والترجمة والقصة، ومنها دواوينه: الحلم في الزنزانة رقم 7، والصدى، والحب في طريق المجرة، وانتحار الدلفين، وآخرها، سلاماً مواعيد قلبي دمشق، ومن كتاباته أنطولوجيا الشعر السوفييتي، دراسات وترجمة. ودراسات في تاريخ القافة العربية، ترجمة. ومسرحية الأرنب الذئبي. ومسرحية رجل الثلج، ويعمل في مجال الإعلام والترجمة الأدبية، وحائز على جائزة ماياكوفسكي من الاتحاد السوفييتي عام 1985 وجائزة الريشة الذهبية في روسيا عام 2020

فلاشة

هل تعلمين أن لذة الحب الممزوج بالعمل النضالي لا تعادلها أية لذة؟