هدّني رحيلك يا ريمون الحبيب!
تقبل التعازي في ساحة روحي، وشرفة وجداني، في قلبي وفي كل قلب جميل وفيّ!
وقد كتبت هذه المادة قبل أيام من رحيله:
ألف سلامة يا صديقي الحبيب أبا عمر
المخرج السينمائي المبدع ريمون بطرس في العناية المشددة!!!
خبر أرهق روحي فريمون مبدع كبير وصديق رائع وفيٌّ، وهو مثقف معطاء، فيه من الرومانسية المشاعرية ما يخجل حشدا من الشعراء… وهو إلى ذلك حيوي يندهش بصدق لأي حدث غير متوقع بلهفة إنسان دائم الطفولة…
تعرفت إلى ريمون بطرس منذ زمن بعيد وتعمقت صداقتنا من خلال بعض أمسياتي، وأدهشني أنه بعد كل امسية كان يقدم رؤية جميلة ومعمقة ليس للمضامين التي وردت في القصائد وحسب، بل وللصور وتشابكها المشهدي… إنها رؤيته السينمائية للشعر، ولذا كان يتفاعل بشكل خاص مع القصائد ذات التصوير السينمائي من مثل إلى حبيبة تدعى الوطن وقارع الطبل الزنجي ولا أزال أذكر أنه اعتبر قصيدة عصفور محكوم بالإعدام فلما سينمائيا مخرجا بحد ذاتها الأمر الذي أفادني في أعمالي اللاحقة…وتتالت بعد ذلك سهراتنا الجميلة سواء في مزرعتي المتواضعة حيث لم يبخل في مساعدتي في إخراج بعض مشاهد برنامجي التلفزيوني “رشفات” آنذاك، أو في التصورات اللاحقة لبعض السيناريوهات، وكنا كثيرا ما نلتقي كذلك في ” وكره” الذي يقبع مقابل بيته في مساكن برزة، وهو عبارة عن حديقة صغيرة جدا، وغرفة أصغر، ومطبخ يتسع لشخص واحد وهو أصغر من كليهما!!! وكثيرا ما كان يسهر معنا الأديب القاص المبدع وليد معماري، وعدد من الشباب المثقف في هذا “القن” الجميل الذي يحفظ حتما تلك الانفعالات الحميمية المذهلة… أستطيع أن أقول بصدق أن ريمون كان واحدا من قلة من المبدعين الذين عايشتهم روحا، وكان يتميز بنبرة عالية جدا من الانفعال الصادق الذي يقترب من الملحمية حتى كانه يتجاوز ما هو مألوف ليخط سطورا تنتمي إلى المستقبل….
تخرج ريمون بطرس من المعهد السينمائي السوفييتي في كييف عام 1976 وعاد إلى الوطن ليجد الأبواب موصدة في وجهه لسنوات عديدة حتى أنه حاول العمل في نحت الحجر كمهنة والده ” ما يذكر بوالد د. راتب سكر” وحتى مجموعته الشعرية “أبي ينحت الحجر” وخاصة أن كليهما من مدينة حماة…
ريمون بطرس من أسرة مناضلة باسلة، استشهد أخوه خليل في الجولان، وتطوع أخوه ميخائيل للقتال إلى جانب الشعب المصري إبان الاعتداء الثلاثي على مصر…وأولى أعمال ريمون بطرس وهو بعد في معهد السينما “صهيونية محايدة”… وريمون بطرس هو السينمائي السوري الذي جعل من نهر العاصي شاهدا على العصر، وهو أول سينمائي سوري يفوز بجائزة “مولوديتس” – الماهر السوفييتية عام 1974، ومن أعماله الروائية المميزة الطحالب عام 1991 وحسيبة عام. 2008 .
ألف سلامة أبا عمر الحبيب شد حيلك سأحضر معي الفودكا التي تحبها قريبا، فأعد لنا مائدة من ابتساماتك الشهية فهي أطيب مازا للسهرة في حديقة عشك الحميم…